معاني الحسن والقبح ما لا حرج في فعله وما في فعله حرج ، والإباحة معناها عدم الحرج في الفعل والحظر معناه الحرج فيه.
ورابعا : أنّ عدم استقلال العقل بإدراك الحسن والقبح في هذه الأشياء لا ينافي استقلاله بإدراك الحكم الشرعي من إباحة أو حظر بدون واسطة إدراكه الحسن والقبح.
وقد يجاب بوجهين آخرين :
الأوّل : أنّ معنى عدم استقلال العقل فيها عدم استقلاله لعناوينها الخاصّة مع قطع النظر عن اندراجها تحت عنوان عامّ استقلّ فيه العقل ، وهذا لا ينافي حكمه فيها بالاباحة أو الحظر بملاحظة اندراجها تحت العنوان العامّ ، وهو ما اشتمل على المنفعة ، أو التصرّف في ملك الغير من دون إذنه.
وردّ : بنقضه ببعض ما يستقلّ فيه العقل الّذي لا يحكم العقل بحسنه أو قبحه لعنوانه ، بل بملاحظة اندراجه تحت عنوان عامّ حكم بحسنه أو قبحه ، كلطم اليتيم المحكوم عليه بالقبح لاندراجه في عنوان الظلم.
الثاني : أنّ معنى عدم استقلال العقل فيه عدم حكمه فيه بشيء ابتداءا وبدون النظر في وسط ، وهذا لا ينافي حكمه بالنظر إلى وسط.
وردّ أيضا : بنقضه ببعض ما يستقلّ فيه العقل ، كإعطاء الفقير المحكوم عليه بالحسن بواسطة كونه إحسانا.
وقد يجاب أيضا : بأنّ معنى ما لا يستقلّ فيه العقل أنّه لا يدرك فيه الحكم الواقعي بالاستقلال ، وهذا لا ينافي إدراكه فيها ما يكون حكما ظاهريّا ، فإنّ المراد بالإباحة والحظر المبحوث عنهما الإباحة والحظر الظاهريّان ، كما نسب القول به إلى بعض.
ويشكل ذلك : بأنّ ملاك الحكم الظاهري دخول الجهل بالحكم الواقعي والشكّ فيه في موضوعه ، وإنّما يتمّ ما ذكر لو كان مناط حكم العقل بالإباحة أو الحظر في نظر المبيحين والحاظرين في هذه الأشياء جهالة حكمها الواقعي ، بأن يحكم العقل بأحدهما لأنّها مجهول الحكم ، وهو خلاف مقتضى كلمات الفريقين وأدلّتهما على ما ستعرفها ، فالأظهر كون المراد بهما الإباحة والحظر الواقعيّين ، ولذا تمسّك المبيحون بأنّه لو كان لها حكم غير الإباحة لبيّنه الشارع ، والحاظرون بحرمة التصرّف في مال الغير بدون إذنه ، إذ لا شكّ في أنّ هذه الحرمة حرمة واقعيّة.