فإنّه يحتاج إلى دليل ويطالب به ، فالمدّعي للامتناع هو المحتاج إلى الدليل المطالب به دون القائل بالإمكان (١).
والسرّ فيه : أنّ الامتناع عبارة عن ضرورة جانب العدم ، وهذه الضرورة مزيّة لجانب العدم على جانب الوجود ، فلا بدّ في الإذعان بها من دليل فالمدّعي لها يطالب بدليله والقول بالإمكان منع لهذه المزيّة فلا يطالب قائله بالدليل ، وقد يجعل من فروع هذه القاعدة ما تقرّر في الدعوى والانكار من أنّ البيّنة على المدّعي ، فإنّه يدّعي أمرا زائدا على تصرّف المتصرّف وهو كون تصرّفه غصبا وعدوانيّا فيطالب بالبيّنة ، والمنكر بعد عجز المدّعي عن البيّنة يكفيه اليمين.
وفيه نظر ، بل المدّعي في مسألة دعوى الغصبيّة إنّما يطالب بالبيّنة لأنّه يدّعي خلاف الظاهر ، وهو ظهور التصرّف في الملكيّة لا لمجرّد أنّه يدّعي أمرا زائدا على أصل تصرّف المتصرّف.
وكيف كان فقد يحتمل في الأصل المذكور أن يراد به الاستصحاب في الأمر العدمي ، فإنّ الأصل في ضرورة جانب العدم ـ المأخوذة في مفهوم الامتناع ـ عدمها ، وهو واضح الفساد لانتفاء الحالة السابقة ، فإنّ الضرورة واللاضرورة في الأمر الدائر بين الإمكان والامتناع ليس شيء منهما حالة سابقة فيه يشكّ في بقائها وارتفاعها حتّى يصحّ الحكم ببقائها للاستصحاب ، ومثله في الفساد جعل الأصل بمعنى الظاهر المستند إلى الغلبة ، لغلبة الممكنات وندرة الممتنعات ، والظنّ يلحق الشيء بالأعمّ الأغلب.
ووجه الفساد : منع الصغرى تارة ومنع الكبرى اخرى.
أمّا الأوّل : فلعدم إمكان إحراز الغلبة والندرة إلاّ بعد الإحاطة بجميع الممكنات والممتنعات ، وهي غير ممكنة لامتناع إحاطة امور غير متناهية في زمان متناه ، والممكنات غير متناهية وكذلك الممتنعات ، بل عدم تناهي الممتنعات كالممكنات يأبى كونها نادرة بالندرة المعتبرة في الظنّ باللحوق.
وأمّا الثاني : فلامتناع ظنّ اللحوق فيما كان الشكّ في وصفه باعتبار الشكّ في اندراجه في أيّ النوعين المتّصفين بوصفين متقابلين ، كما لو شكّ في بياض فرد من الإنسان وسواده ، باعتبار اشتباهه بين الرومي الغالب في أشخاصه البياض ، والحبشي الغالب في أشخاصه السواد ، فإنّ غلبة أشخاص الرومي مثلا على أشخاص الحبشي لا يجدي نفعا في
__________________
(١) الأسفار ١ : ٣٦٤.