الثاني : أنّ التعبّد بخبر الواحد إمّا أن يراد به ما هو فعل المكلّف أعني العمل به ، أو ما هو فعل الله سبحانه ـ كما هو ظاهر اللفظ لوقوعه مسند إليه تعالى ـ يراد به معنى استعبدنا ، أي طلب منّا العبوديّة بمقتضى خبر الواحد ، أي الالتزام به والأخذ به على أنّه حكم الله.
فعلى الأوّل : يرد عليه عدم انطباق الدليل على المدّعى على فرض صحّة الإجماع ، فإنّ محلّ البحث إمكان تعبّده تعالى واستحالته ، وغاية ما يقضي به بطلان التالي ـ المستند إلى الإجماع على عدم جواز العمل بخبر الواحد في الإخبار عن الله تعالى ـ إنّما هو نقيض المقدّم ، وهو عدم جواز العمل بخبر الواحد في الإخبار عن النبيّ ، وهذا كما ترى لا يستلزم عدم إمكان تعبّده تعالى ، لجواز أن يكون مستند عدم جواز العمل في الإخبار عن الله عدم وقوع التعبّد منه تعالى ، نظرا إلى أنّه كاف في الحكم بعدم جواز العمل ، ويكون هذا هو مدرك الإجماع على عدم جواز العمل أيضا.
لا يقال : إذا ثبت عدم جواز العمل به ثبت عدم إمكان تعبّده تعالى بأنّه : لو تعبّدنا الله به مع عدم جواز العمل به الثابت بالإجماع لزم التكليف بما لا يطاق ، ونقض الغرض ، وكلاهما قبيحان عليه تعالى فيمتنع صدوره منه ، لمنع الملازمة فإنّ عدم جواز العمل المستند إلى عدم وقوع التعبّد منه تعالى حكم تعليقي مراعى بعدم وقوع التعبّد وحيث وقع ذلك التعبّد منه ارتفع به ذلك الحكم التعليقي.
وعلى الثاني : يرد عليه منع بطلان التالي بمنع الإجماع عليه ، إذ لو فرضنا أنّه تعالى أقام لنا دليلا قطعيّا على أنّه يجوز لكم أو يجب عليكم في امتثال أحكامي العمل بخبر الواحد عنّي ، لا يلزم بذلك قبح ولا محذور آخر ، ولا إجماع على قبحه أيضا ولم يدّعه أحد ، ولو ادّعاه لم يكن منه مقبولا بل لا نظنّ قائلا بقبحه ، ولعلّ المستدلّ أيضا لا يرضى به.
الثالث : أنّ محلّ البحث إنّما هو التعبّد بخبر الواحد بعد استقرار الشريعة وانتشار أحكامها واختفاء الطرق القطعيّة المنصوبة عليها منه تعالى علينا ، وحينئذ نقول : إن اريد من التعبّد به في الإخبار عن الله المأخوذ في قضيّة التالي تعبّده به في أصل بناء الشرع وابتداء تأسيسه فبطلان التالي ودعوى الإجماع عليه ، ولذا يعتبر في المخبر عن الله في ابتداء بناء الشرع ـ الّذي يقال له : « المتنبّي » أن يكون معه معجزة قطعيّة تدلّ على صدقه وتفيد العلم بحقيّة كلّما جاء به عن الله سبحانه ، ولكن الملازمة ممنوعة ، لأنّ التعبّد به في الإخبار عن النبيّ جائز بعد استقرار الشريعة.