وإن اريد منه التعبّد به بعد استقرار الشريعة مع اختفاء الطرق القطعيّة علينا فالملازمة مسلّمة وبطلان التالي ممنوع ، إذ لا دليل على عدم الجواز والإجماع المدّعى عليه ممنوع ، لعدم استتباعه قبحا ولا محذورا ، ولو بأنّه يؤدّي إلى تحليل الحرام وتحريم الحلال رجع الوجه الأوّل إلى الوجه الثاني فلا يكون دليلا على حدّة.
وثانيهما : أنّ التعبّد بخبر الواحد يؤدّي إلى تحليل الحرام وتحريم الحلال ، والتالي باطل ، فكذا المقدّم.
أمّا الملازمة : فلأنّ الخبر الواحد العاري عن قرائن الصدق محتمل للصدق والكذب ، فلا يكون دائم المصادفة للواقع بل كثيرا مّا يخالفه ، فما أخبر بحلّه لا يؤمن أن يكون حراما ، كما أنّ ما أخبر بحرمته لا يؤمن أن يكون حلالا ، فيلزم بهما في موضع المخالفة ما ذكر من تحليل الحرام وتحريم الحلال.
وأمّا بطلان [ التالي ] : فهو وإن لم يكن مذكورا في كلام المستدلّ ، ولكن يمكن أن يكون نظره فيه إلى لزوم أحد المحذورين من اجتماع الضدّين ونقض الغرض.
أمّا لزوم الأوّل : فلأنّ الحلّيّة والحرمة متضادّتان ، وتحليل الحرام حكم بحلّيّته وتحريم الحلال حكم بحرمته فيلزم ما ذكر.
وأمّا لزوم الثاني : فلأنّ الغرض من الحرام الامتناع عنه ومن الحلال عدم الامتناع عنه ، وتحليل الأوّل يقتضي عدم الامتناع عمّا تعلّق الغرض بالامتناع عنه ، كما أنّ تحريم الثاني يقتضي الامتناع عمّا تعلّق الغرض بعدم الامتناع عنه ، وكلاهما نقض للغرض.
ثمّ إنّ المراد من التحليل في عنوان « تحليل الحرام » ليس خصوص دلالة خبر الواحد على الحلّيّة بالمعنى المرادف للإباحة ، بل أعمّ منها ومن الدلالة على الوجوب أو الندب أو الكراهة ، كما أنّ المراد من الحلال في عنوان « تحريم الحلال » ليس خصوص المباح بالمعنى الأخص ، بل أعمّ منه ومن الواجب والمندوب والمكروه ، لأنّ الشيء قد يكون حراما وخبر الواحد المتعبّد به فيه يدلّ على وجوبه أو ندبه أو كراهته أو إباحته ، والكلّ من تحليل الحرام بالنظر إلى عموم الدليل ، وقد يكون واجبا أو مندوبا أو مكروها أو مباحا وخبر الواحد المتعبّد فيه يدلّ على حرمته ، وهو في الكلّ من تحريم الحلال بالنظر إلى عموم الدليل أيضا.
وكيف كان فقد اجيب عنه بوجوه (١) :
__________________
(١) انظر الفصول : ٢٧١.