الاجتناب عنه ، ونهي الشارع عن العمل به نفي لوجوب الاجتناب عنه ، ولا ريب في مناقضة « لا يجب الاجتناب عنه » لـ يجب الاجتناب عنه ».
أو أنّ انكشاف الواقع في الشيء يقتضي وجوب ترتيب آثار الواقع على المنكشف ، ونهي الشارع عن العمل به يتضمّن نفي وجوب ترتيب آثار الواقع على المنكشف وهما متناقضان.
وبالتأمّل في ذلك يعلم أنّ وجوب ترتيب آثار الواقع على المقطوع به أيضا ليس بجعل الشارع بل هو حكم عقلي ، لأنّه إنّما يكون بجعل الشارع إذا كان قابلا لنهي الشارع عن العمل به ، وليس قابلا له للزوم التناقض.
كما يعلم ـ بالتأمّل في جميع ما قرّرناه ـ عدم كون طريقيّة القطع قابلة للتخصيص للزوم التناقض في المستثنى ، فلا فرق في كونه طريقا إلى الواقع بين أفراده من حيث القاطع من مجتهد أو مقلّد أو عالم أو عامّي ، والمقطوع به من موضوع حكم شرعي ، أو نفس الحكم الشرعي فرعيّا كان أو اصوليّا ، عمليّا كان أو اعتقاديّا ، وأسباب القطع من المتعارفة الضروريّة ، أو النظريّة العقليّة أو النقليّة الحسّيّة ، أو الحدسيّة اللفظيّة ، أو اللبّيّة ، أو الغير المتعارفة من الرمل ، أو الجفر ، أو النوم ، أو طريق المكاشفة ، أو أزمان القطع من زمن الحضور ، أو أزمنة الغيبة.
وبالجملة : من خواصّ القطع الطريقي عدم قبول طريقيّته التخصيص في شيء من أفراده.
ثمّ إنّ هذا كلّه في القطع بالنسبة إلى القاطع في عمل نفسه بالقياس إلى المقطوع به والأحكام المترتّبة عليه ، وقد يعتبر القطع في موضوع حكم آخر غير الأحكام المترتّبة على المقطوع به ، كوجوب عمل المقلّد بفتوى المجتهد المقطوع بها ، فإنّ موضوع عمل المقلّد هو الحكم المفتى به والقطع مأخوذ فيه ، ومرجعه إلى أنّه يجب على المقلّد أن يعمل بما قطعه المجتهد حكم الله.
وهذا هو المسمّى بالقطع الموضوعي ، ويمتاز عن القطع الطريقي في امور :
الأوّل : أنّ الموضوعيّة لا تكون إلاّ بجعل الشارع ، لأنّ اعتبار القطع في موضوع الحكم الشرعي لابدّ له من معتبر وليس إلاّ الشارع ، ولا نعني من جعله إلاّ هذا ، بخلاف القطع الطريقي ، لما عرفت من أنّ الطريقيّة ليست مجعولة ولا قابلة للجعل.
الثاني : أنّه يقبل كلاّ من التعميم والتخصيص والإطلاق والتقييد ، بخلاف القطع الطريقي ، لما عرفت من أنّه لا يقبل التخصيص ولا التقييد للزوم التناقض.