والسرّ في قبول الأوّل أنّ كونه معتبرا في موضوع الحكم الشرعي إنّما يثبت بدليل ذلك الحكم ، فيتبع في عمومه وخصوصه وإطلاقه وتقييده دلالة ذلك الدليل ، فقد يدلّ دليل الحكم على اعتباره على وجه عامّ ، من دون مدخليّة خصوصيّة فيه من حيث القاطع والمقطوع به وأسباب القطع وأزمانه.
وقد يدلّ على اعتباره على وجه خاصّ لمدخليّة الخصوصيّة فيه من حيث القاطع والمقطوع به وأسباب القطع وأزمانه ، وبينهما متوسّطات ، لدلالة الدليل على اعتبار خصوصيّة في بعض الجهات المذكورة دون اخرى.
ومن القسم الأوّل : حكم العقل بحسن إتيان العبد بما قطع كونه مطلوبا لمولاه ، فإنّ حسن الإتيان حكم عقلي ، وموضوعه ما قطع العبد كونه مطلوبا للمولى ، والقطع مأخوذ فيه ، والحسن لأجل كون الإتيان به إطاعة وانقيادا وحسنه ذاتي.
ومن القسم الثاني : وجوب عمل المقلّد بما قطع غيره كونه حكم الله ، واعتبر فيه الخصوصيّة من جميع الجهات ، فمن جهة القاطع لما اعتبر فيه كونه مجتهدا مسلما إماميّا عادلا ، فخرج قطع غير المجتهد وقطع المجتهد الكافر وقطع المجتهد المخالف وقطع المجتهد الفاسق ، لعدم العمل للمقلّد بشيء من ذلك ، نظرا إلى ما دلّ على اشتراط التقليد باجتهاد المقلّد وإسلامه وإيمانه وعدالته.
ومن جهة المقطوع به يشترط كونه حكما فرعيّا لا اصوليّا إعتقاديّا أو عمليّا ، لما دلّ على عدم جواز التقليد في اصول الدين ولا الاصول العمليّة.
ومن جهة أسباب القطع يشترط كون مستنده الأدلّة المعهودة المتعارفة عند المجتهدين ، كالكتاب القطعي الدلالة ، والسنّة المتواترة ، والإجماع ، والعقل المستقلّ ، دون غيرها من رمل أو جفر أو نوم أو طريق مكاشفة ، إذ لا يجوز لغيره تقليده في ذلك القطع.
ومن جهة أزمانه يعتبر كونه في زمان عدم تيسّر المقلّد عن العلم لتعذّره أو تعسّره.
ومن المتوسّطات وجوب عمل الحاكم بشهادة شاهد علم المشهود به ، فيشترط كون علمه عن حسّ لا عن حدس ، ومنه نشأ عدم قبول الشهادة العلميّة.
الثالث : أنّه لا يقوم مقامه الأمارات الغير العلميّة إلاّ حيث ساعد عليه دليل خاصّ ، بخلاف القطع الطريقي في حكم شرعي فيقوم مقامه خبر العدل الواحد والاستصحاب وغيرهما من طرق الاجتهاد الغير ، العلميّة ، أو في موضوع خارجي فيقوم مقامه البيّنة واليد