نقل ابن كثير عن ابن عباس قال : استشارني الحسين بن علي في الخروج ، فقلت : لولا أن يزري بي وبك الناس لشبثت يدي في رأسك ، فلم أتركك تذهب ، فكان الذي ردّ عليّ أن قال : « لأن أُقتل في مكان كذا وكذا ، أحبّ إليّ من أن أُقتل بمكّة » ، قال : فكان هذا الذي سلى نفسي عنه (١).
إذاً ، فقد استسلم ابن عباس لرأي الحسين عليهالسلام عندما علم أنّ بني أُمية قد عزموا على قتله أينما كان ، وأنّ خروجه إنّما هو لئلا يستحلّ بيت الله الحرام ، وتفهّم ابن عباس موقف الحسين عليهالسلام! وبهذا يظهر لك زيف قول الكاتب : إنّ ابن عباس نهاه ومنعه!!
روى الحاكم عن ابن عباس قال : أوحى الله تعالى إلى محمّد صلىاللهعليهوآله : إنّي قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفاً ، وإنّي قاتل بابن ابنتك سبعين ألفاً وسبعين ألفاً ، هذا لفظ حديث الشافعي ، وفي حديث القاضي أبي بكر بن كامل : إنّي قتلت على دم يحيى بن زكريا ، وإنّي قاتل على دم ابن ابنتك (٢) ، وقد مرّ تصحيح الحاكم والذهبي للحديث.
وهذا الحديث له دلالة عظيمة جدّاً بمكانة الإمام الحسين عليهالسلام عند الله تعالى ، لا ينالها إلاّ صاحب حقّ ، وإلاّ فهل يدّعي الكاتب أنّ المخطئ الذي كان في خروجه فساد عظيم ، يقارنه الله بيحيى النبيّ عليهالسلام ، بل يغضب له غضباً يفوق غضبه وانتقامه له؟ البصير يفهم ، وأمّا عمى القلب فمرض عضال.
ونقل الحاكم أيضاً عن ابن عباس قال : رأيت النبيّ صلىاللهعليهوآله فيما يرى النائم نصف النهار ، أشعث أغبر معه قارورة فيها دم ، فقلت : يا نبي الله ما هذا؟ قال : « هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل ألتقطه منذ اليوم » ، قال : فأحصي ذلك اليوم فوجدوه قتل قبل ذلك بيوم ، قال الحاكم : « هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه » (٣) ، وقال الذهبي على شرط مسلم.
__________________
١ ـ المصدر السابق ٨ / ١٧٢.
٢ ـ المستدرك ٣ / ١٧٨.
٣ ـ المصدر السابق ٤ / ٣٩٨.