تقدّم من الوعيد عليه انتهى ، ويحتمل أن تكون ما مصدرية ، ومن تبعيضية ، والتقدير كراهية بعض النياحة ، أشار إلى ذلك ابن المرابط وغيره ، ونقل ابن قدامة عن أحمد رواية : أنّ النياحة لا تحرم ، وفيه نظر ، وكأنّه أخذه من كونه صلىاللهعليهوآله لم ينه عمّة جابر لمّا ناحت عليه ، فدلّ على أنّ النياحة إنّما تحرم إذا انضاف إليها فعل من ضرب خدّ ، أو شقّ جيب ، وفيه نظر ... » (١).
وكذلك بحث الأمر ابن القيم وذكر الخلاف في كتابه قائلاً : « وأمّا الندب والنياحة فنصّ أحمد على تحريمها ، قال في رواية حنبل : النياحة معصية ، وقال أصحاب الشافعي وغيرهم : النوح حرام ، وقال ابن عبد البر : أجمع العلماء على أنّ النياحة لا تجوز للرجال ولا للنساء.
وقال بعض المتأخّرين من أصحاب أحمد : يكره تنزيهاً ، وهذا لفظ أبي الخطّاب في الهداية قال : ويكره الندب والنياحة ، وخمش الوجوه ، وشقّ الجيوب والتحفي ، والصواب القول بالتحريم ....
وقال المبيحون لمجرّد الندب والنياحة مع كراهتهم له : روى حرب عن وائلة بن الأسقع وأبي وائل ـ وهما من الصحابة ـ أنّهما كانا يسمعان النوح ويسكتان.
قالوا : وفي الصحيحين عن أُمّ عطية قالت : لمّا نزلت هذه الآية : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ ... ) (٢) كان منه النياحة ... ، ونهانا عن النياحة فقبضت منّا امرأة يدها فقالت : فلانة أسعدتني فأنا أُريد أن أجزيها ، قالت : فما قال لها شيئاً فذهبت فانطلقت ثمّ رجعت فبايعها.
قالوا : وهذا الإذن لبعضهن في فعله يدلّ على أنّ النهي عنه تنزيه لا تحريم ، ويتعيّن حمله على المجرّد من تلك المفاسد جمعاً بين الأدلّة » (٣).
والقصد من إيراده أنّ بعض علماء السنّة قال بجواز النياحة مع وجود الروايات الناهية عندهم ، كرواية الناهية من عمل الجاهلية ، فما هو جوابكم عن
__________________
١ ـ فتح الباري ٣ / ١٢٩.
٢ ـ الممتحنة : ١٢.
٣ ـ عدّة الصابرين : ١٠٤.