كقولهم : ( لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى ) (١) ، وإنّما ملاك الأمر وسبب الكرامة والسعادة حقيقة الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح ، ولذلك لم يقل من آمن منهم بإرجاع الضمير إلى الموصول اللازم في الصلة ، لئلاّ يكون تقريراً للفائدة في التسمّي على ما يعطيه النظم كما لا يخفى.
وهذا ما تكرّرت فيه آيات القرآن أنّ السعادة والكرامة تدور مدار العبودية ، فلا اسم من هذه الأسماء ينفع لتسمّيه شيئاً ، ولا وصف من أوصاف الكمال يبقى لصاحبه وينجيه إلاّ مع لزوم العبودية ، الأنبياء ومن دونهم فيه سواء ، فقد قال تعالى في أنبيائه بعد ما وصفهم بكُلّ وصف جميل : ( وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) (٢).
وقال تعالى في أصحاب نبيّه ومن آمن معه ، مع ما ذكر من عظم شأنهم وعلوّ قدرهم : ( وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) (٣) ، فأتى بكلمة منهم ، وقال في غيرهم ممّن أُوتي آيات الله تعالى : ( وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ) (١) ، إلى غير ذلك من الآيات الناصّة على أنّ الكرامة بالحقيقة دون الظاهر » (٢).
وقال العلاّمة الطباطبائي في بحثه الروائي ما نصّه : « في الدرّ المنثور : عن سلمان الفارسي قال : سألت النبيّ صلىاللهعليهوآله عن أهل دين كنت معهم ، فذكر من صلاتهم وعبادتهم فنزلت : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ ) (٣).
أقول : وروي أيضاً نزول الآية في أصحاب سلمان بعدّة طرق أُخرى.
__________________
١ ـ البقرة : ١١١.
٢ ـ الأنعام : ٨٨.
٣ ـ الفتح : ٢٩.
٤ ـ الأعراف : ١٧٦.
٥ ـ الميزان في تفسير القرآن ١ / ١٩٣.
٦ ـ البقرة : ٦٢.