أوّلاً : ليس المراد بالتحريم هنا أنّ الرسول صلىاللهعليهوآله شرّع على نفسه الحرمة ، مقابل ما شرّع الله له من الحلّية ، فهذا ما لم يكن ، بل يعني أنّه منع على نفسه ما هو حلال له ، وأوجبه بالحلف ، وهذا ليس تشريعاً ولا قبيحاً ، فإنّ تحريم المرء ما هو حلال له بسبب من الأسباب ، أو لغير سبب ليس حراماً ، ولا من جملة الذنوب ، مع أنّه قد يقال لتارك النَفل لِمَ لَمْ تفعله مع كونه نفلاً؟
وبقرينة : ( تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ) يظهر أنّ الرسول صلىاللهعليهوآله قام بعمل ممّا أحلّ الله له ، فآذاه بعض أزواجه وضيقن عليه ، وألجأنه بسبيل إرضائهن على أن يحلف لهن بتركه وعدم فعله بعد ذلك ، والمسؤولية في هذا تتوجّه إليهن في الحقيقة ، فهن من حملنه على ما ليست لهن بحقّ.
ويؤيّد ذلك قوله تعالى : ( إِن تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ ) (١).
ويومئ إلى ذلك أنّ الله تعالى حين أمر نبيّه أن يتحلّل من يمينه في قوله : ( قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ) (٢) ختمها بقوله : ( وَالله مَوْلاَكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) فهي تشعر بالنصرة له صلىاللهعليهوآله ، وبيان علم الله وحكمته التي كانت وراء أمره له.
وهذا هو الوارد في الخبر ، فقد روي : أنّ الرسول صلىاللهعليهوآله كان في بيت حفصة في نوبتها فاستأذنته في الذهاب إلى بيت أبيها لحاجة ، فأذن لها ، فلمّا ذهبت أرسل إلى جاريته مارية القبطية فكانت عنده ... فلمّا عادت حفصة ووجدتها خاصمته قائلة : إنّما أذنت لي من أجل هذا ، أدخلت أمَتك بيتي ، ثمّ وقعت عليها في يومي ، وعلى فراشي ... أما رأيت لي حرمة وحقّاً؟! فقال صلىاللهعليهوآله : « أليس هي جاريتي؟ قد أحلّ الله ذلك لي ، اسكتي فهو حرام عليّ ... » (٣).
__________________
١ ـ التحريم : ٤.
٢ ـ التحريم : ٢.
٣ ـ مجمع البيان ١٠ / ٥٦.