كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ) (١) ، وقال تعالى : ( وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ ) (٢).
فالتأويل على ضوء الاستعمال القرآني هو الوجود الحقيقي والمعنوي للقرآن ، وسوف يواجه المنكرون للتنزيل الإلهي تأويله وحقيقته المعنوية يوم القيامة.
واستنتاجاً من هذه المقدّمات الثلاث ، فللقرآن إذاً حقيقة معنوية وحدانية ليست من عالمنا هذا العالم المتغيّر المتبدّل ، وإنّما هي من عالم أسمى من هذا العالم ، لا ينفذ إليه التغيّر ، ولا يطرأ عليه التبديل.
وتلك الحقيقة هو الوجود القرآني المحكم ، الذي طرأ عليه التفصيل بإرادة من الله جلّت قدرته ، كما أنّه هو التأويل القرآني الذي تلمح إليه آيات الكتاب العزيز.
وإذا آمنا بهذه الحقيقة ، فلا مشكلة إطلاقاً في الآيات التي تتضمّن نزول القرآن نزولاً دفعياً في ليلة القدر ، وفي شهر رمضان ، فإنّ المقصود بذلك الإنزال هو هبوط الحقيقة المعنوية للوجود القرآني على قلب رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وانكشاف ذلك الوجود التأويلي الحقيقي للقرآن أمام البصيرة الشفّافة النبوية ، فإنّ هذا الوجود المعنوي هو الذي يناسبه الإنزال الدفعي ، كما أنّ الوجود اللفظي التفصيلي للقرآن هو الذي يناسبه التنزيل التدريجي.
وليس المقصود ممّا ورد من روايات عن أهل البيت عليهمالسلام حول النزول الأوّل للقرآن في البيت المعمور إلاّ نزوله على قلب النبيّ صلىاللهعليهوآله ، فإنّه هو البيت المعمور الذي تطوف حوله الملائكة ، وقد رمز إليها الحديث بهذا التعبير الكنائي.
وهذه النظرية مع ما تتّصف به من جمال معنوي ، لا نجد داعياً يدعونا إلى تكلّفها ، كما لا نرى داعياً يدعونا إلى محاولة نقضه وتكلّف ردّه ، فليست النظرية هذه تتضمّن أمراً محالاً ، كما لا لزوم في الأخذ بها بعد أن وجدنا لحلّ المشكلة ما هو أيسر هضماً وأقرب إلى الذهن.
__________________
١ ـ يونس : ٣٨ ـ ٣٩.
٢ ـ الأعراف : ٥٢ ـ ٥٣.