وأمّا مصداق الإمامة ، وأنّ مَن هو الإمام؟ فهذا تحدّده السنّة النبوية المطهرة ، والسنّة النبوية بيّنت أنّ الإمام بعد النبيّ صلىاللهعليهوآله هو علي بن أبي طالب عليهالسلام ، كما في حديث الغدير المتواتر ، والذي يقول فيه النبيّ صلىاللهعليهوآله : « من كنت مولاه فعلي مولاه » (١).
وكذلك في أحاديث أُخرى كثيرة ، تشير إلى ما لا ريب فيه ولا مناقشة تعتريه ، وهو ما أخرجه الحاكم في المستدرك ، وصرّح بصحّته ، والحديث هو : قال ابن عباس : وقال له رسول الله صلىاللهعليهوآله : « أنت ولي كُلّ مؤمن من بعدي ومؤمنة » (٢) ، وصرّح الشيخ الألباني بصحّته وبطرق عديدة للحديث (٣).
إنّ هذا الحديث يقصم ظهور القوم ، إذ لا يمكنهم تأويله بالمحبّة أو النصرة ، لأنّ معنى ذلك أنّ علي بن أبي طالب عليهالسلام يحبّ المؤمنين وينصرهم بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ولو على نحو السالبة الجزئية ، أي بعض المؤمنين يحبّهم وينصرهم بعد الرسول لا في حياته ، وهذا يشهد القرآن والسنّة والتاريخ بكذبه ، لأنّ علياً كان وما زال منذ بعث النبيّ إلى يوم استشهاده ناصراً ومحبّاً للمؤمنين.
هذا عرض موجز لمفهوم الإمامة الكُلّي وشخصها الجزئي يمهّد لنا الدخول في الموضوع ، فبعد اتضاح معنى الإمامة ، وأنّها تنصيب من الله سبحانه ، وأنّ الإمام إمام ، تسلّم السلطة أو لا ، كما في حديث النبيّ صلىاللهعليهوآله في حقّ الحسن والحسين حيث قال : « الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا » (٤).
فعلى ذلك ، لماذا رفض الإمام علي عليهالسلام بيعة القوم بعد وفاة عثمان؟ مع أنّه منصّب من الله ، وأنّ الظرف تهيّأ للحكم والسيادة؟
الجواب : إذا رجعنا إلى الفترة التي أعقبت وفاة النبيّ صلىاللهعليهوآله نعرف ذلك ، فبعد أن ظهر قوله تعالى للعيان وأتضح : ( أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ
__________________
١ ـ الدرّ المنثور ٢ / ٢٩٣.
٢ ـ المستدرك ٣ / ١٣٤.
٣ ـ سلسلة الأحاديث الصحيحة ٥ / ٢٦١.
٤ ـ علل الشرائع ١ / ٢١١.