وإن فرضنا ذهاب الصورة القردية وانتفائها ، ثمّ مجيء الصورة الإنسانية ، فأيضاً لم تصل النظرية إلى مرادها ، لأنّ معنى انتفاء الصورة القدرية ، هو بطلان هوية القرد ولم يبق قرد حقيقة حتّى نقول بأنّه تحوّل إلى إنسان ، إذ ذكرنا أوّلاً أنّ الهوية الحقيقية للموجود هي في صورته ، فعند بطلان صورته تبطل هويّته الحقيقية ، فلا معنى لأن نقول تطوّر ، بل نقول : بطلت الصورة القردية ، وحلّت مكانها الصورة الإنسانية ، فإذاً التطوّر باطل عقلاً.
أضف إلى ذلك أنّ سير الصورة الحيوانية في قناة الصورة القردية لا يمكن أن يجتمع مع تحوّل الصورة القردية تطوّراً إلى الصورة الإنسانية ، لأنّ الاستعداد الذي تحمله المادّة امتلأ بالصورة القردية ، فلم يبقِ هناك استعداد لأن تقبل المادّة الصورة الإنسانية.
هذا موجز ما يمكن ذكره الآن ، وعليه فالنظرية الدارونية أو اللاماركية مجانبة لما نطقت به الشرائع السماوية ، ولما بنيت عليه الفطرة العقلية.
وبعد أن عرضنا ذلك نتعرّض إلى مسألة المسخ التي نطقت بها الشريعة ، وصرّحت بوقوعها الروايات المتواترة من ناحية انطباقها وعدم انطباقها على نظرية التطوّرية الداروينية أوّلاً ، ومن حيث تفسيرها على ضوء الفلسفة الإسلامية؟
أمّا كون المسخ غير التطوّر فيكاد يكون ذلك أوضح من الشمس في رابعة النهار ، لأنّ التطوّر يبتني على أُسس قدّمنا ذكرها ، منها إرجاع الهيكل الوجودي العام ذو الشعب التي لا تحصى كثرة إلى أصل وجودي واحد ، وخلية أو مادّة فردية ، ومنها يتشبّع الوجود العام ، ويبتني على الانتخاب الطبيعي ، والتنازع حول البقاء وأثر البيئة والوراثة ، وأين هذه من المسخ الذي يقصد قلب الصورة الوجودية إلى ما هو أدون منها ، إذ لا تنازع ولا انتخاب ولا محاولة إيجاد محورية فاردة لهيكلية الوجود المشتعّبة ، فضلاً عن كون الارتقاء والتطوّر يعني