أقول : فهو يوم صومه منقول وفضله مقبول ، فصمه على قدر الفوائد بالشكر على سلامة رسول الله صلىاللهعليهوآله وما فتح بالمهاجرة من سعادة الدنيا والمعاد ، ويحسن ان تصلّي صلاة الشكر الّتي نذكرها في كتاب السعادات بالعبادات الّتي ليس لها أوقات معيّنات وتدعوا بدعائها ، فإنه يوم عظيم السعادة ، فما احقّه بالشكر والصدقات والمبرّات.
وقال جدّي أبو جعفر الطوسي رضياللهعنه في المصباح : « ان هجرته كانت ليلة الخميس أول شهر ربيع الأول » (١).
والظاهر انّه توجّهه من مكة إلى الغار كان ليلا ولم يكن بالنّهار ، لانّ الخائف الذي يريد ستر حاله ما يكون سفره نهارا من بين أعدائه المتطلعين على أعماله ، ولانّ مبيت مولانا على صلوات الله عليه على فراشه يفديه بمهجته شاهده انّ التوجه كان ليلا بغير شك في صفته ، وقال المفيد في التواريخ الشرعية : ان الهجرة كانت ليلة الخميس أول ربيع الأول.
ولعل ناسخ كتاب الحدائق غلط في ذكره اليوم عوض الليلة ، أو قد حذف الليلة كما قال الله تعالى ( وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ ) (٢) ، أراد أهل القرية (٣).
ذكر ما فتحه الله علينا من أسرار هذه المهاجرة وما فيها من العجائب الباهرة :
منها : تعريف الله جلّ جلاله لعباده لو أراد قهر أعداء رسوله محمّد صلىاللهعليهوآله ما كان يحتاج إلى مهاجرته ليلا على تلك المساترة ، وكان قادراً ان ينصره وهو بمكّة من غير مخاطرة بآيات وعنايات باهرة ، كما انّه كان قادراً ان ينصر عيسى بن مريم علي اليهود بالآيات والعساكر والجنود ، فلم تقتض الحكمة الإلهية الاّ رفعه إلى السماوات العلية ، ولم يكن له مصلحة في مقامه في الدنيا بالكليّة ، فليكن العبد راضياً بما يراه مولاه له من التّدبير في القليل والكثير ، ولا يكن الله جلّ جلاله دون وكيل الإنسان في أموره الّذي يرضى بتدبيره ، ولا دون جاريته أو زوجته في داره الّتي يثق إليها في تدبير إيثاره.
__________________
(١) مصباح المتهجد ٢ : ٧٩١.
(٢) يوسف : ٨٢.
(٣) عنه البحار ٩٨ : ٣٥٠.