من الأشرار ، فصار معه كالمشغول صلوات الله عليه بحفظ نفسه من ذلّ صاحبه وضعفه ، زيادة على ما كان مشغولاً صلوات الله عليه وآله بحفظ نفسه.
ومن أسرار هذه المهاجرة أنّ مولانا علي عليهالسلام بات على فراش المخاطرة ، وجاد بمهجته لمالك الدنيا والآخرة ، ولرسوله صلوات الله عليه فاتح أبواب النعم الباطنة والظاهرة ، ولو لا ذلك المبيت واعتقاد الأعداء أنّ النائم على الفراش هو سيد الأنبياء ، والاّ ما كانوا صبروا عن طلبه إلى النهار حتى وصل إلى الغار ، وكانت سلامة صاحب الرّسالة من قبل أهل الضلالة ، صادرة عن تدبير الله جلّ جلاله بمبيت مولانا علي عليهالسلام في مكانه ، وآية باهرة لمولانا علي عليهالسلام شاهدة بتعظيم شأنه وأَسَفاً لأجل وصيّه عليه أفضل السلام في الثبوت في ذلك المقام.
وانزل الله جلّ جلاله في مقدس قرآنه ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ ) (١) ، فأخبر أن سريرة مولانا علي عليهالسلام كانت بيعاً لنفسه الشريفة وطلباً لمرضاة الله جلّ جلاله دون كل مراد.
وقد ذكرنا في الطرائف من روى هذا الحديث من المخالف ومباهاة الله جلّ جلاله تلك الليلة بجبرئيل وميكائيل في بيع مولانا علي عليهالسلام بمهجته ، وانه سمح بما لم يسمح به خواصّ ملائكته (٢).
ومنها : انّ الله جلّ جلاله زاد مولانا علياً عليهالسلام من القوّة الإلهية والقدرة الربانية إلى انّه ما قنع له ان يفدي النبي صلوات الله عليه بنفسه الشريفة النبي صلوات الله عليه بنفسه الشريفة حتّى أمره ان يكون مقيماً بعده في مكّة مهاجراً للأعداء ، وانّه قد هربه منهم وستره بالمبيت على الفراش وغطّاه عنهم ، وهذا ما لا يحتمله قوّة البشر الاّ بآيات باهرة من واهب النفع ودافع الضرر.
ومنها : ان الله جلّ جلاله لم يقنع لمولانا علي عليهالسلام بهذه الغاية الجليلة ، حتّى
__________________
(١) البقرة : ٢٠٧.
(٢) الطرائف : ٢٦ ، مسند أحمد بن حنبل ١ : ٣٣١ ، العمدة : ١٢٣ ، إحقاق الحق ( عن الثعلبي ) ٦ : ٤٧٩ ، البحار ٣٦ : ٤١.