عيون غير ناظرة وعقول غير حاضرة وقلوب غير باصرة وجوارح غير ناضرة ، وقد خذل بعض بعضاً بلسان الحال من شدّة تلك الأهوال.
فبعث محمّداً صلىاللهعليهوآله من مجلس الغضب والمقت والعذاب وانكاله إلى الأمم المتعرّضة بتعجيل العقاب واستيصاله ، وهو واحد في العيان منفرد عن الاخوان والأعوان ، يريد مقاتلة جميع من في الوجود من أهل الجحود ، برأي قد احتوى على مسالك الآراء واستوى على ممالك الأقوياء ، وجنان قد خضع له إمكان الابطال ، وبيان قد خشع له لسان أهل المقال والفعال ، ونور قد رجعت جيوش الظلمات به مكسورة ورءوس الجهالات بلهبه مقهورة ، وقدم قد مشى على الرءوس والنفوس وهم (١) قد حكمت بإزالة الضرر والنحوس.
فسرى نسيم ارج (٢) ذلك التمكين والتلقين ، وروّج حياة ذلك السبق للأولين والآخرين ، في اليوم السابع والعشرين من رجب بالعجب وشرف المنقلب ، فاستنشقه (٣) عقول كانت هامدة أو بائدة ، واستيقظت به قلوب كانت راقدة ، وجرى شراب العافية بكأس آرائه العالية في أماكن أسقام الأنام فطردها وأحاط بجيوش النّحوس فشرّدها ، وتهدّد نفوس العقول المتهجّمة على العقول فأبعدها ، حتّى الّفها بعد الافتراق في الآفاق وعطفها على الوفاق والاتّفاق وأجلسها على بساط الوداد والاتّحاد وحماها عن مهاوي الهلكة والفساد.
فما ظنّك بمن هذا بعض أوصافه ، ومن ذا يقدر على شرح ما شرّفه الله جلّ جلاله به من ألطافه ، وبأيّ بيان أو لسان أو جنان يقدر على وصف مواهبه واسعافه ، ولقد دعونا العقل إلى الكشف فذهل ، فدعونا القلب إلى الوصف فوجل ، فدعونا اللسان إلى البيان فاستقال ، فدعونا القلم إلى الإمكان فذلّ وتزلزل وزال ، فدعونا الجوارح جارحة بعد جارحة فشردت عنّا هاربة ونازحة.
__________________
(١) همم ( خ ل ).
(٢) أرج تأرّج : فاحت منه رائحة طيبة ، فهو ارج.
(٣) واستنشقه ( خ ل ).