وكان لنظام الشّورى أسوأ الأثر في نفسيّات الأنصار ، هؤلاء الذين وعدوا في السّقيفة أن يكونوا وزراء وشركاء في الحكم ، وإذا بهم يُحرمون من كلّ شيء حتّى من حقّ المشورة. أضف إلى هذا : إنّ النتيجة التي آلت إليها لم تكن مُرضية لهم ؛ فقد رأوا في انتصار الاُمويِّين انتصار لأعدائهم القدماء من مشركي مكّة.
وقد عبّر علي بن أبي طالب عليهالسلام عن عدم رضاه عن هذه النتيجة ، وتسليمه بالأمر الواقع قائلاً :
«لأُسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جوز إلاّ عليّ خاصّة» (١).
بينما أخذ الطّامحون إلى الخلافة يجمعون الأنصار حولهم في الخفاء ، ويستعينون على ذلك بأموالهم وقبائلهم ، وإنشاء علاقات المصاهرة مع القبائل الأخرى ، حتّى إذا تقدّم العمر بخلافة عثمان قليلا ظهرت هذه الأحزاب إلى العلن تعمل في سبيل هدفها الفريد. وكانت عاقبة الشّورى أنّها سبّبت نُشوء هذه الأحزاب القائمة على الولاء لأشخاص مُعيّنين ذوي أهداف شخصيّة في الوصول إلى الحكم ، مستغلّة أسباب الشّكوى والاستياء من عثمان وبطانته وولاته على الأمصار. وقد روى ابن عبد ربّه حديثاً لمعاوية بن أبي سفيان اعترف فيه بأنّه :
«لم يُشتّت بين المسلمين ولا فرّق أهواءهم إلاّ الشّورى التي جعلها عمر في ستة نفر ... لم يكن رجل منهم رجاها لنفسه ، ورجاها له قومه ، وتطلّعت إلى ذلك نفسه» (٢).
__________________
(١) نهج البلاغة (طبع دار الاندلس ـ بييروت) ١ / ١٥١.
(٢) ابن عبد ربه الأندلسي : العقد الفريد ـ بتحقيق : محمد سعيد العريان ج ٥ ص ٣١ ـ ٣٢.