وقد كان معاوية يجد دائماً أشخاصاً من هذا النوع في مجتمع العراق ، وكان يتخلص بولائهم له ، وطمعهم فيما عنده من مآزق حرجة (١). وكان يتمتعّ بحس يوفّق به إلى إثارة هذه الروح في الوقت المناسب ، وبحيث يبدو فعله منسجماً مع ما يقتضيه الإنصاف والعدل ، كقوله لشبث بن ربعي وقد سفر عنده لعلي مع زعيمين آخرين من أهل العراق في صفين :
«أوّل ما عرفت به سفهك ، وخفّة حلمك قطْعك على الحسيب الشريف سيد قومه منطقه. يعني سعيد بن العاص الهمداني» (٢).
ومن ذلك ما كان منه في شأن النزاع الذي حدث حول رياسة كندة وربيعة ، فقد كانت للأشعث بن قيس الكندي ، فعزله عنها علي عليهالسلام ودفعها لحسّان بن مخدوج من ربيعة ، فلمّا بلغ ذلك معاوية أغرى شاعراً كنديّاً يقول شعراً يهيج به الأشعث وقومه ، فقال شعراً عظّم به شأن الأشعث وقومه ، وهجا به حسّان وربيعة ، ولكنّ أهل اليمن فطنوا إلى ما يريد معاوية ، فقد قال شريح بن هانئ :
«يا أهل اليمن ، ما يريد صاحبكم إلاّ أن يُفرّق بينكم وبين ربيعة» (٣).
وهكذا نراه يسعى إلى أن يؤجج القبلية بين القبائل العربية ؛ فيلقي بينها العداوة والبغضاء ، ويثير فيها إحن الجاهليّة وأحقادها.
وأرسل معاوية في سنة (٣٨) للهجرة ابن الحضرمي إلى البصرة ليضرم الفتنة بين قبائلها بإثارة ذكريات حرب الجمل ، وقتل عثمان ، وقال له :
«فانزل في مضر ، واحذر ربيعة ، وتودّد الأزد ، وانع
__________________
(١) نصر بن مزاحم : كتاب صفين : ٨ ، ١٠٨ ، ٣٤٥ ، ٣٤٦.
(٢) المصادر السابق : ٢٠٩ ـ ٣١١.
(٣) كتاب صفين : ١٥٣ ـ ١٥٦.