(وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) من القرآن لما فى كتبهم من الشواهد على صدقه والبشارة به كما قال تعالى : «الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ» وهم جماعة ممن آمن من اليهود كعبد الله ابن سلام وأصحابه ، ومن النصارى وهم ثمانون رجلا من الحبشة واليمن ونجران.
(وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ) أي ومن جماعتهم الذين تحزّبوا وتألبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالعداوة ككعب بن الأشرف والسيد والعاقب أسقفّى نجران وأشياعهم ـ من أنكر بعض القرآن وهو مالم يوافق ما حرفوه من كتابهم وشرائعهم.
ولما ذكر سبحانه اختلاف أهل الكتاب فى شأنه صلى الله عليه وسلّم ـ بين بإيجاز ما يحتاج إليه المرء ليفوز بالسعادتين فقال :
(قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ) أي قل لهم صادعا بالحق ولا تكترث بمن ينكره إنى أمرت فيما أنزل إلىّ بأن أعبد الله وحده ولا أشرك به شيئا سواه ، وذلك ما لا سبيل إلى إنكاره وأطبقت عليه الشرائع والكتب كما قال : «يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً» وذلك ما دلت الدلائل التي فى الآفاق والأنفس على وجوب الإذعان له والاعتراف به.
وفى كل شىء له آية |
|
تدل على أنه واحد |
(إِلَيْهِ أَدْعُوا) أي إلى طاعته وإخلاص العبادة له وحده أدعو الناس.
(وَإِلَيْهِ مَآبِ) أي وإليه وحده مرجعى ومصيرى ومصيركم للجزاء ، ولا خلاف بيننا فى هذا ، فالعجب لكم أن تنكروا المتفق عليه ، وتختلفوا فيما لا محل للخلاف فيه.
وهذه الآية جامعة لشئون النشأة الأولى والآخرة ، فقوله : «قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ» توحى إلى ما جاء به التكليف ، وقوله «إِلَيْهِ أَدْعُوا» تشير إلى مهامّ الرسالة ، وقوله : (وَإِلَيْهِ مَآبِ) تشير إلى البعث والجزاء للحساب يوم القيامة.