فى آثامه ، وقد يعجل له قسطا منه فى الدنيا ويكون جزاء له على ما سولت له نفسه كما يشاهد لدى المدمنين على الخمور من اعتلال وضعف ومرض مزمن وفقر مدقع وذل وهوان بين الناس ، وفى المقامرين من خراب عاجل وإفلاس فى المال والذل بعد العز ، وربما اقتضت حكمته أن يؤجل له ذلك إلى يوم مشهود يوم يقوم الناس لرب العالمين فيستوفى قطّه هناك نارا تكوى بها الجباه والجنوب ، وتبدل الجلود غير الجلود ، وقد قرن المغفرة بالعقاب فى مواضع كثيرة من الكتاب الكريم ليعتدل الرجاء والخوف كقوله «إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ ، وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ» وقوله «نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ» إلى أمثال ذلك من الآيات التي تجمع الخوف والرجاء.
روى ابن أبى حاتم عن سعيد بن المسيّب قال : لما نزلت هذه الآية (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ) إلخ قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «لو لا عفو الله وتجاوزه ما هنأ أحدا العيش ، ولولا وعيده وعقابه لا تكل كل واحد».
وبعد أن ذكر طعنهم فى نبوة محمد صلى الله عليه وسلّم لقوله بالحشر والمعاد ، ثم طعنهم فيه لأنه أنذرهم بحلول عذاب الاستئصال ذكر أنهم طعنوا فيه ، لأنه لم يأت لهم بمعجزة مبيّنة كما فعل الرسل من قبله فقال :
(وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) أي ويقول الذين كفروا تعنتا وجحودا : هلا يأتينا بآية من ربه كعصا موسى وناقة صالح ، فيجعل لنا الصفا ذهبا ويزيح عنا الجبال ويجعل مكانها مروجا وأنهارا ، وقد طلبوا ذلك ظنا منهم أن القرآن كتاب كسائر الكتب لا يدخل فى باب المعجزات التي أتى بها الرسل السالفون.
وقد رد الله عليهم الشبهة بقوله فى آية أخرى «وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ» أي إن سنتنا أن الآيات إن لم يؤمن بها من طلبوها أهلكناهم بذنوبهم ، ولم نشأ أن يحل بكم عذاب الاستئصال.