ثم ضرب مثلا للمشركين الذين يعبدون الأصنام والمؤمنين الذين يعترفون بأن لارب غيره ولا معبود سواه ، فقال :
(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) أي قل لهم مصوّرا سخيف آرائهم مفنّدا قبيح معتقداتهم : هل يستوى الأعمى الذي لا يبصر شيئا ولا يهتدى لمحجة يسلكها إلا بأن يهدى بدليل والبصير الذي يهدى الأعمى لسلوك الطريق؟ لا شك أن الجواب أنهما غير متساويين ، فكذلك المؤمن الذي يبصر الحق فيتّبعه ، ويعرف الهدى فيسلكه ، لا يستوى وإياكم؟ وأنتم لا تعرفون حقا ، ولا تبصرون رشدا.
ثم ضرب مثلا للكفر والإيمان بقوله :
(أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ) أي بل هل تستوى الظلمات التي لا ترى فيها الطريق فتسلك ، والنور الذي يبصر به الأشياء ، ويجلو ضوؤه الظلام ـ لا شك أن الجواب عن ذلك أنهما لا يستويان ، فكذلك الكفر بالله صاحبه منه فى حيرة ، يضرب أبدا فى غمرة لا يهتدى إلى حقيقة ولا يصل إلى صواب ، والإيمان بالله صاحبه منه فى ضياء ، فهو يعمل على علم بربه ومعرفة منه بأنه يثيبه على إحسانه ، ويعاقبه على إساءته ، ويرزقه من حيث لا يحتسب ، ويكلؤه بعنايته فى كل وقت وحين ، فهو يفوّض أمره إليه إذا أظلمت الخطوب ، وتعقدت فى نظره مدلهمّات الحوادث.
(أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ) أي بل أخلق أوثانكم التي اتخذتموها معبودات من دون الله ، خلقا كخلقه ، فاشتبه عليكم أمرها فيما خلقت وخلق الله ، فجعلتموها له شركاء من أجل ذلك ـ أم إنما بكم الجهل والبعد عن الصواب ، إذ لا يخفى على من له مسكة من العقل ، أن عبادة ما لا يضر ولا ينفع ، من الجهل بحقيقة المعبود ، ومن يجب له التذلل والخضوع ، والإنابة والزلفى والإخبات إليه ، وإنما الواجب عبادة من يرجى نفعه ويخشى عقابه وضرّه ، وهو الذي يرزقه ويمونه آناء الليل وأطراف النهار.
ثم ذكر فذلكة لما تقدم ، ونتيجة لما سبق من الأدلة والأمثال التي ضربت لها فقال :