وفى الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : «أما أنا فأصوم وأفطر ، وأقوم وأنام ، وآكل اللحم ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتى فليس منى» :
وقد كان من حكمة تعدد زوجاته أمهات المؤمنين أن اطلعن منه على الأحوال الخفيّة التي تكون بين الرجل والمرأة وعلمهن منه أحكامها ونشرنها بين المؤمنين ، وناهيك بأم المؤمنين عائشة وفيها يقول رسول الله صلى الله عليه وسلّم «خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء» ومن ثم كانت أكثر من حدّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعد أبى هريرة ، وأكثر من حدث عن شمائله وأحلاقه فى السر والعلن ، ومنها علم المسلمون كثيرا من أحكام دينهم ، وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يختلفون إليها للحديث والفتيا وكانت تحاجهم وتجادلهم ، وتلزمهم الحجة ولا يجدون معدلا عن التسليم برأيها.
وروى أن المشركين طعنوا فى نبوته لعدم إتيانه بما يقترحونه من الآيات فنزل قوله :
(وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) أي وما كان فى وسع رسول من الرسل أن يأتى من أرسل إليهم بمعجزة يقترحونها إلا متى شاء الله وعلم أن فى الإتيان بها حكما ومصالح لعباده ، وقد جاء من الآيات بما فيه عبرة لمن اعتبر ، وغناء لمن تفكر وتدبر ، ولكنهم أبوا إلا التمادي فى الغواية والضلال كما تقدم من مقال عبد الله بن أبى أمية.
والآيات المقترحة لا تأتى إلا على مقتضى الحكمة فى أزمان يعلمها الله ، وقد جعل لكل زمن من الأحكام ما فيه الصلاح والخير للناس ، ولا صلاح فيما اقترحوه ، وهل من الصلاح أن يرضع المراهق اللبن من ظئره ، وأن يجعل له مهد ينام فيه؟ كذلك لا حكمة فى إنزال الآيات التي اقترحوها ، وهذا إيضاح قوله :
(لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) أي لكل كتاب أجل أي لكل أمر كتبه الله أجل معين ووقت معلوم ، فلا آية من المقترحات بنازلة قبل أوانها ، ولا عذاب مما خوّفوا به بحاصل فى غير وقته ، ولا نبوة بحاصلة فى غير الزمان المقدر لها ، فموسى وعيسى