(فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ) أي عضّوا بنان الندم غيظا لما جاءهم به الرسل ، وضجر لنفرتهم من استماع كلامهم ، إذ سفّهوا أحلامهم ، وشتموا أصنامهم ، وقد فعلت العرب مثل ذلك مع النبي صلى الله عليه وسلّم كما قال سبحانه : «عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ».
وقال أبو عبيدة والأخفش ونعمّا قالا هو مثل ، والمراد أنهم لم يؤمنوا ولم يجيبوا ، والعرب تقول للرجل إذا أمسك عن الجواب وسكت ، قد ردّ يده فى فيه.
(وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ) أي إنا كفرنا بما زعمتم أن الله أرسلكم به ، من البينات التي أظهرتموها حجة على صحة رسالتكم ، وإنما يقصدون من الكفر بها الكفر بدلالتها على صدق رسالتهم.
(وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) أي وإنا لفى شك مما تدعوننا إليه من الإيمان بالله ووحدانيته ، وجملة ما جئتم به من الشرائع.
وخلاصة مقالهم ـ إنهم جاحدون نبوتهم ، قاطعون بعدم صحتها ، لأن ما جاءوا به من التعاليم والشرائع مما يشكّ فى صدقه ، وأن الله سبحانه يدعو إلى مثله. فرد الرسل عليهم منكرين متعجبين من تلك المقالة الحمقاء كما أشار إلى ذلك عز اسمه بقوله :
(قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌّ؟) أي أفي وجود الله شك ، وكيف ذلك والفطرة شاهدة بوجوده ومجبولة على الإقرار به ؛ فالاعتراف به ضرورى لدى كل ذى رأى حصيف كما جاء فى الحديث : «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه».
ولكن قد يعرض لبعضها شك واضطراب ، فتحتاج إلى النظر فى الأدلة الموصلة ، إلى ذلك ، ومن ثمّ وجه الرسل أنظار أممهم إلى هذه الأدلة فقالوا :
(فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي هو الذي خلقهما وأبدعهما على غير مثال سابق ، ودلائل الحدوث ظاهرة عليهما ، فلا بد لهما من صانع وهو الله الذي لا إله إلا هو ، خالق