الآخرة إلا نزر يسير سريع الزوال فهو كعجالة الراكب وزاد الراعي ، فلا حق لهم فى البطر والأشر بما أوتوا من حظوظها ، وانتفعوا به من خيراتها ، فهم قد اعتزوا بالقليل السريع الزوال.
أخرج الترمذي عن المستورد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «ما الدنيا فى الآخرة إلا كمثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذه فى اليمّ فلينظر بم يرجع ، وأشار بالسبابة»
وأخرج الترمذي وصححه عن ابن مسعود قال : «نام رسول الله صلى الله عليه وسلّم على حصير فقام وقد أثّر فى جنبه ، فقلنا يا رسول الله لو اتخذنا لك ، فقال مالى وللدنيا ، ما أنا فى الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها».
ولما أبان أنهم قد انخدعوا بالسراب ، واكتفوا بالحباب ، ذكر ما ترتب على ذلك الغرور من اقتراحهم على رسوله صلى الله عليه وسلّم الآيات فقال :
(وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) أي ويقول الذين كفروا من أهل مكة كعبد الله بن أبىّ وأصحابه ، هلا أنزل على محمد آية كما أرسل على الأنبياء والرسل السابقين كسقوط السماء عليهم كسفا ، أو تحويل الصفا ذهبا ، أو إزاحة الجبال من حول مكة حتى يصير مكانها مروجا وبساتين إلى نحو أولئك من الاقتراحات التي حكاها القرآن عنهم كقولهم : «فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ» وكأنهم لفرط عنادهم وعظيم مكابراتهم قد ادّعوا أن ما أتى به من باهر الآيات كالقرآن وغيره ليس عندهم من الآيات التي توجب الإذعان والإيمان أو التي لا تقبل شكا ولا جدلا.
ثم أمر رسوله أن يبين لهم أن إنزال الآيات لا دخل له فى هداية ولا ضلال بل الأمر كله بيده.
(قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ) أي إنه لا فائدة لكم فى نزول الآيات إن لم يرد الله هدايتكم فلا تشغلوا أنفسكم بها ، ولكن تضرّعوا إليه واطلبوا منه الهداية ، فإن الضلال والهداية بيده وإليه مقاليدها ، وادعوه أن يهيئ