ولا شك أن هذه الحال بعينها ستعاد كرّة أخرى : أي إن الأرض والكواكب والشمس بعد ملايين السنين ستنحلّ مرة أخرى ويذوب ذلك الموجود كله ، ويتطاير فى الفضاء حقبة من الزمن ، ثم تعاد كرة أخرى وتكون شمس غير هذه الشمس وأرض غير هذه الأرض وسموات غير هذه السموات.
روى مسلم عن عائشة قالت «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن قوله : يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات ـ فأين يكون الناس يومئذ يا رسول الله؟ فقال : على الصراط».
وروى عن أبىّ بن كعب أنه قال فى معنى التبديل : إن الأرض تصير نيرانا.
وعلى الجملة فقد اتفق العلم الحديث مع الآيات والأحاديث على أن الأرض تصير نارا وأن الناس لا يكونون عليها ، بل هناك ما هو أعجب وهو ما روى عن ابن مسعود وأنس رضى الله عنهما من قولهما : يحشر الناس على أرض بيضاء لم يخطئ عليها أحد خطيئة ، ولا بدع فى أن تكون أرضا جديدة لم يسكنها أحد ، بل تخلق خلقا جديدا.
(وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) أي وخرجوا من قبورهم لحكم الله والوقوف بين يدى الواحد القهار ، فلا مستغاث لأحد إلى غيره ولا مستجار سواه.
وفى هذا من تهويل الخطب ما لا يخفى ، لأنهم إذا وقفوا عند ملك عظيم قهار لا يشاركه سواه فى سلطانه كانوا على خطر ، إذ لا منازع له ولا مغيث سواه.
وبعد أن وصف سبحانه نفسه بكونه قهارا ـ بين عجز المجرمين وذلتهم فقال :
(وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ. سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ) وصفهم سبحانه بحملة أمور :
(١) إنه يقرن بعضهم إلى بعضهم فى القيود ويضمّ كلّ إلى مشاركه فى كفره وعمله كما قال تعالى «وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ» وقال : «فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ» وفى الحديث : «أنت مع من أحببت».