ومحمد عليهم السلام جاءوا فى أزمنة رأى الله الصلاح فى وجودهم فيها لا يتقدمون عنها ولا يتأخرون ، وهكذا انقضاء أعمار الناس ووقوع أعمالهم وآجالهم ، كلها كتبت فى آجال ومدد معينة لا تقديم فيها ولا تأخير.
ونحو الآية قوله (لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ).
فما مثل الدنيا من كواكبها وشمسها وأرضها وزرعها إلا مثل مصنع رتّبت أعماله ، ووضعت عماله. فى حجر معينة ، ووزع بينهم العمل على نظم خاصة ، فى أوقات معينة ، ولهم مناهج يتبعونها ، فتراهم كل يوم يعملون وينصرفون من أماكنهم ثم يعودون إليها على نهج لا يتغير ولا يتبدل ، فالدنيا قد جعل الله لها نظاما على مقتضى الحقائق الثابتة التي تعلّق بها علمه ، وعلى هذا النظام جرت الشمس والقمر والكواكب وظهر النبات والحيوان وتعاقب الموت والحياة ، وظهرت نجوم وفنيت أخرى ، ونبت زرع وحصد آخر ومات نبى وقام آخر ، وامتد دين وانتشر ، وتقلّص دين ونسخ.
وكل كوكب من الكواكب التي تصلح للحياة كأرضنا كأنه صحيفة يكتب فيها ويمحى ، وذلك تابع لما فى المنهج الأصلى ، ومن ثم تتعاقب الأمم والأجيال والدول والنظم على قطر كمصر ، فيتعاقب عليه قدماء المصريين واليونان والرومان ، ولا شك أن كل هذا محو وإثبات على مقتضى المنهج المرسوم ، وهكذا تنسخ آية من القرآن ويؤتى بغيرها ، كما ينسخ زرع بزرع ، وليل بنهار ، وقوم بقوم ، ودين نبى بآخر فى ميقاته المعين فى علمه تعالى ، وهذا ما عناه سبحانه بقوله :
(يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) وقد أثر عن أئمة السلف فيها أقوال لا تناقض فيها بل هى داخلة فيما سلف :
(١) قال الحسن : يمحو الله من جاء أجله ويثبت من بقي أجله.
(٢) وقال عكرمة : يمحو الله القمر ويثبت الشمس.
(٣) وقال الربيع : يقبض الله الأرواح حين النوم ، فيميت من يشاء ويمحوه ويرجع من يشاء فيثبته
(٤) وقال السدى : يمحو الله القمر ويثبت الشمس.