وقد روى عن ابن عباس أن الكلمة الطيبة هى قول «لا إله إلا الله» وأن الشجرة الطيبة : هى النخلة ، وعن ابن عمر قال «كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال : أخبرونى عن شجرة تشبه الرجل المسلم لا يتحاتّ ورقها لا صيفا ولا شتاء وتؤتى أكلها كل حين بإذن ربها. قال ابن عمر فوقع فى نفسى أنها النخلة ، ورأيت أبابكر وعمر لا يتكلمان ، فكرهت أن أتكلم ، فلما لم يقولوا شيئا قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : النخلة. فلما قمنا قلت لعمر : يا أبتاه ، والله لقد كان وقع فى نفسى أنها النخلة ، قال ما منعك أن تتكلم؟ قلت لم أركم تتكلمون ، فكرهت أن أتكلم أو أقول شيئا ، قال عمر : لأن تكون قلتها أحبّ إلىّ من كذا وكذا» رواه البخاري.
ثم نبه سبحانه إلى عظم هذا المثل ليكون ذلك داعية تدبره ومعرفة المراد منه فقال :
(وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) أي إن فى ضرب الأمثال زيادة إفهام وتذكير للناس ، لأن أنس النفوس بها أكثر ، فهى تخرج المعنى من خفىّ إلى جلىّ ، ومما يعلم بالفكر إلى ما يعلم بالاضطرار والطبع ، وبها يطبق المعقول على المحسوس فيحصل العلم التام بالشيء الممثل له.
(وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ) أي ومثل كلمة الكفر وماشا كلها مثل شجرة خبيثة كالحنظل ونحوه مما ليس له أصل ثابت فى الأرض ، بل عروقها لا تتجاوز سطحها ، وقد اقتلعت من فوق الأرض ، لأن عروقها قريبة منه ، أو لا عروق لها فى الأرض ، فكما أن هذه لاثبات لها ولا دوام ، فكذلك الباطل لا يدوم ولا يثبت ، بل هو زائل ذاهب ، وثمره مرّكريه كالحنظل.
وما أقوى الحق وأثبته ، وأكثر نفعه للناس ، فهو ثابت الدعائم متين الأركان ، وما كل حين كالنخل.
والخلاصة ـ إن أرباب النفوس العالية وكبار المفكّرين هم أصحاب الكلمة الطيبة ، وعلومهم تعطى أممهم نعما ورزقا فى الدنيا ، وهى مستقرة فى نفوسهم ، وفروعها ممتدة