للناس ، وهذا بمعنى قوله : «لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ».
خلاصة ذلك ـ لو أن ظهور أمثال ما اقترحوه مما تقتضيه الحكمة وتستدعيه المصلحة ، لكان مظهر ذلك هو القرآن الذي لم يعدّوه آية واقترحوا غيره.
ولا يخفى ما فى هذا من تعظيم شأنه الكريم ، ووصفهم بسخف العقل ، وسوء التدبير والرأى ، وبيان أن تلك المقترحات لا ينبغى أن يؤبه لها ، ولا يلتفت إليها ، لأنها صادرة عن التشهّى والهوى ، والتمادي فى الضلال والمكابرة والعناد ، لا عن تقدير للأمور على وجهها الصحيح ، وتأمل فى حقائقها ، وما يجب أن يكون لها من الاعتبار.
ويجوز أن يكون المعنى ـ لو أن كتابا فعلت بوساطته هذه الأفاعيل العجيبة لما آمنوا به ، لفرط عنادهم وغلوهم فى مكابرتهم ، وهذا بمعنى قوله : «وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ».
(بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً) أي بل مرجع الأمور كلها بيد الله ، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، ومن يضلل فلا هادى له ، ومن يهد فما له من مضل.
وخلاصة ذلك ـ إن الله قادر على الإتيان بما اقترحوه من الآيات ، لكن الإرادة لم تتعلق بذلك ، لعلمه أن قلوبهم لا تلين ، ولا يجدى هذا فائدة فى إيمانهم.
(أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً) أي ألم يعلم الذين آمنوا أن الله تعالى لو شاء هداية الناس أجمعين لهداهم ، فإنه ليس ثمة حجة ولا معجزة أنجع فى العقول من هذا القرآن الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله ، لكنه لم يشأ ذلك.
روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : «ما من نبى إلا وقد أوتى ما آمن على مثله البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلىّ فأرجو أن أكون