(قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي قل لهم : إن الرحمن الذي كفرتم به هو خالقى ومتولّى أمرى ومبلغى مراتب الكمال. لا رب غيره ولا معبود سواه ، فهو الواحد الأحد الفرد الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.
وعن قتادة قال : «ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم زمن الحديبية حين صالح قريشا كتب فى الكتاب : بسم الله الرحمن الرحيم. فقالت قريش : أما الرحمن فلا نعرفه ، وكان أهل الجاهلية يكتبون باسمك اللهم ، فقال أصحابه : دعنا نقاتلهم ، قال لا ، اكتبوا كما يريدون» اه.
(عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) أي عليه لا على غيره توكلت فى جميع أمورى ، ولا سيما فى نصرتى عليكم.
(وَإِلَيْهِ مَتابِ) أي وإليه وحده توبتى ، وهو بمعنى قوله : «وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ» وفى هذا بيان لفضل التوبة ومقدار عظمها عند الله ، وبعث للكفار على الرجوع عما هم عليه بأبلغ وجه وألطف سبيل ، إذ أمر بها عليه السلام وهو منزّه عن اقتراف الذنوب ، فتوبتهم وهم عاكفون على أنواع الكفر والمعاصي أحق وأجدر.
(وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ) أي ولو ثبت أن كتابا سيّرت بتلاوته الجبال وزعزعت من أماكنها كما فعل بالطور لموسى عليه السلام.
(أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ) أي شققت وجعلت أنهارا وعيونا كما حدث للحجر حين ضربه موسى بعصاة.
(أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى) أي أو كلم أحد به الموتى فى قبورهم بأن أحياهم بقراءته فتكلم معهم بعد كما وقع لعيسى عليه السلام ـ لو ثبت هذا الشيء من الكتب لثبت لهذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، لما انطوى عليه من الآيات الكونية الدالة على بديع صنع الله فى الأنفس والآفاق ، واشتمل عليه من الحكم والأحكام التي فيها صلاح البشر وسعادتهم فى الدار الفانية والدار الباقية ، ومن قوانين العمران التي تكون خيرا لمتبعيها وفوزا لسالكيها ، ويجعل منهم خير أمة أخرجت