ثم بين مآل كل من السعداء والأشقياء وما أعدّ لكل منهما يوم القيامة ، وبين أن حاليهما لا يستويان عنده ، وأن الذي يعى تلك الأمثال ويعتبر بها إنما هو ذو اللب السليم ، والعقل الراجع ، والفكر الثاقب.
الإيضاح
(أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً) أي أنزل من السحاب مطرا فسالت مياه الأودية بحسب مقدارها فى الصغر والكبر ، فحمل السيل الذي حدث من ذلك الماء زبدا عاليا مرتفعا فوقه طافيا عليه ـ وهذا هو المثل الأول الذي ضربه الله للحق والباطل والإيمان والكفر.
(وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ) أي ومن الذي يطرحه الناس فى النار من ذهب أو فضة وكذلك من سائر الفلزّات كالحديد والنحاس والرّصاص ـ زبد راب كما يطفو على الماء فى الأودية زبد مثله ، ويتّخذ من الذهب والفضة حلىّ ، ومن الحديد والرصاص والنحاس وما أشبه ذلك متاع وهو ما يتمتع به الناس كالأوانى والقدور وغيرها من آلات الحرث والحصد وأدوات المصانع وأدوات القتال والنزال ، وهذا هو المثل الثاني.
(كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ) أي وما مثل الحق والباطل إذا اجتمعا إلا مثل السيل والزبد ، فكما أن الزبد لا يثبت مع الماء ولا مع الذهب والفضة ونحوهما مما يسبك فى النار بل يذهب ويضمحل ، فالباطل لاثبات له ولا دوام أمام الحق.
ثم فصل هذا بقوله.
(فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) أي فأما الزبد الذي يعلو السيل فيذهب فى جانبى الوادي ويعلق بالشجر وتنسفه الرياح ، وكذلك خبث الذهب والفضة والحديد والنحاس يذهب ولا يرجع منه شىء ، وأما ما ينفع الناس من الماء والذهب والفضة فيمكث فى الأرض ، فالماء نشر به ونسقى به الأرض فينبت