المعنى الجملي
بعد أن بين سبحانه أن كل من فى السموات والأرض خاضع لقدرته ، منقاد لإرادته بالغدو والآصال ، وفى كل وقت وحين ، طوعا أو كرها بحسب ما يريد ـ أعاد الكلام مع المشركين ليلزمهم الحجة ويقنعهم بالدليل ويضيق عليهم باب الحوار حتى لا يستطيعوا الفرار من الاعتراف بوحدانيته وشمول قدرته وإرادته وأنه لا معبود سواه ولا رب غيره.
الإيضاح
(قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي قل أيها الرسول الكريم لهؤلاء الذين اتخذوا من دونه أولياء : من رب هذه الأجرام العلوية والسفلية التي تبهر العقول بجميل صنعها ، وكامل ترتيبها ووضعها؟.
(قُلِ اللهُ) أي قل لهم : الذي خلقها وأنشأها وسواها على أتم موضع وأحكم بناء هو الله ، وقد أمر عليه السلام ليجيب بذلك ، للاشارة إلى أنه هو وهم سواء فى ذلك الجواب الذي لا محيص منه ، وهم لا ينكرونه البتة كما قال تعالى : «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ».
(قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا؟) أي قل لهم بعد أن ثبت هذا لدينكم : فلم اتخذتم لأنفسكم من دون الله معبودات هى جمادات ، لا تملك لأنفسها نفعا ولا ضرا؟ فكيف تنفع غيرها أو تضر؟ وإذا لم يكن لها القدرة على شىء من ذلك فعبادتها محض السفه الذي لا يرضاه لنفسه رشيد ، يزن أعماله بميزان الحكمة والمصلحة.
وخلاصة ذلك ـ أفبعد أن علمتم أنه هو الخالق لهذا الخلق العظيم ، تتخذون من دونه أولياء هم غاية فى العجز؟ وجعلتم ما كان يجب أن يكون سببا فى الاعتراف بالوحدانية وهو علمكم بذلك ـ سببا فى إشراككم به سواه من أضعف خلقه ، وهو بمعنى قوله : «إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ»