الإيضاح
(المر) قلنا فيما سلف إن هذه الحروف فى أوائل السور حروف تنبيه كألا ونحوها وتقرأ بأسمائها ساكنة فيقال «ألف ، لام ، ميم ، را» ؛ كما قلنا إن كل سورة بدئت بهذه الحروف ففيها انتصار للقرآن ، وتبيان أن نزوله من عند الله حق لا شك فيه.
(تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ) أي آيات هذه السورة آيات القرآن البالغ حد الكمال المستغنى عن الوصف بين الكتب السماوية ، الجدير بأن يختص باسم «الكتاب».
(وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ) أي وكل القرآن الذي أنزله إليك ربك حق لا شك فيه ، وهذا كالإجمال بعد التفصيل لما تقدم من وصف السورة بالكمال فكأنه سبحانه بعد أن أثبت لهذه السورة الرفعة والكمال عمم هذا الحكم فأثبته للقرآن جميعه ، فلا تختص به سورة دون أخرى.
وهذا الأسلوب جار على سنن العرب فى تخاطبهم فقد قالت فاطمة الأنمارية وقد سئلت عن بنيها ، أىّ بنيك أفضل؟ (ربيعة ، بل عمارة ، بل قيس ، بل أنس ، ثكلتهم إن كنت أعلم أيّهم أفضل ، هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها) فبعد أن أثبتت الفضل لكل منهم على سبيل التعيين ، أجملت القول وأثبتت لهم الفضل جميعا.
(وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) أي ولكن أكثر الناس لا يصدقون بما أنزل عليك من ربك ، ولا يقرون بهذا القرآن وما فيه من بديع الأمثال والحكم والأحكام التي تناسب مختلف العصور والأزمان والتي لو سار الناس على سننها لسعدوا فى الدنيا والآخرة ؛ وقد سلك المسلمون سبيلها فى عصورهم الأولى فكانوا خير أمة أخرجت للناس ، وامتلكوا أكثر المعمور فى ذلك الحين وثلّوا عروش كسرى والروم ودانت لهم الرقاب ، وساسوا الملك سياسة شهد لهم أعداؤهم بأنها كانت سياسة عدل ورفق ، وأخذ على يد الظالم لإنصاف المظلوم ، فلله دين رفع من قدر أهله حتى أوصلهم