ونحو الآية قوله : «أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ؟».
(وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) أي والله يحكم وحكمه النافذ الذي لا يردّ ، ولا يستطيع أحد أن يبطله ، وقد جرت سنته أن الأرض يستعمرها عباده الصالحون بالعدل فيها والسير على نهج المساواة وترك الظلم. وقد حكم للمسلمين بالعز والإقبال على ما وضع من السنن العامة ، وعلى أعدائهم بالإدبار وركود ريحهم ، لما سلكوه من الظلم والفساد فى الأرض (وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ) فعمّا قريب سيحاسبهم فى الآخرة كفاء ما دنّسوا به أنفسهم ، وران على قلوبهم بارتكاب الآثام بعد أن يعذبهم فى الدنيا بالقتل والأسر ، فلا تستبطئ عقابهم ، فإنه آت لا محالة ، وكل آت قريب.
ثم بين أن قومه ليسوا ببدع فى الأمم ، فقد مكر كثير ممن قبلهم بأنبيائهم فأخذ الله أخذ عزيز مقتدر فقال :
(وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي وقد مكر كثير من كفار الأمم الماضية بأنبيائهم كما فعل نمرود بإبراهيم ، وفرعون بموسى ، واليهود بعيسى ، ثم دارت الدائرة على الظالمين ، وأهلك الله المفسدين.
وفى هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلّم ، وتصبير بأن العاقبة له لا محالة.
(فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً) أي إن مكر الماكرين لا يضر إلا بإذنه تعالى ، ولا يؤثر إلا بتقديره ، فيجب ألا يكون الخوف إلا منه تعالى.
وفى هذا أمان له صلى الله عليه وسلّم من مكرهم.
(يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ) فيعصم أولياءه ويعاقب الماكرين بهم ، ليوفى كل نفس جزاء ما كسبت.
وفى هذا ما لا يخفى من شديد الوعيد والتهديد للكافرين الماكرين.
ثم أكد هذا التهديد بقوله.