شرع يذكر الأدلة المنصوبة فى الآفاق والأنفس التي توجب على عباده المثابرة على شكره ودوام الطاعة له ، ويذكر النعم الجسام التي يتقلبون فى أعطافها آناء الليل وأطراف النهار ، ليكون فى ذلك حث لهم على التدبر فيما يأتون وفيما يذرون ، وفيه عظيم الدلالة على وجوب شكر الصانع لها ، كما فيه أشد التقريع للكافرين الذين أعرضوا عن النظر والتفكر فى تلك النعم ، فكان هذا داعية كفرها وجحودها ، وغمطها وكنودها.
الإيضاح
(اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) أي الله الذي خلق لكم السموات والأرض ، هما أكبر خلقا منكم ، وفيهما من المنافع لكم ما تعلمون وما لا تعلمون ، وتقدم تفصيل هذا فى مواضع متعددة من كتابه الكريم.
(وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ) أي وأنزل من السماء غيثا أحيا به الشجر والزرع ، فأثمرت لكم رزقا تأكلون منه وتعيشون به.
والآية كقوله : «وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى» أي من ثمار وزروع مختلفة الألوان والأشكال والطعوم والروائح والمنافع.
(وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ) أي وذلل لكم السفن بأن أقدركم على صنعها ، وجعلها طافية على وجه الماء ، تجرى عليه بأمره تعالى وسخر البحر لحملها ، ليقطع المسافرون بها المسافات الشاسعة من إقليم إلى إقليم لجلب ما هناك إلى هنا ونقل ما هنا إلى هناك.
(وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ) تشق الأرض شقا من قطر إلى قطر ، لانتفاعكم بها حيث تشربون منها ، وتتخذون جداول تسقون بها زروعكم وجناتكم ، وما أشبه ذلك.
(وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ) أي دائمين فى الحركة ، لا يفتران إلى انقضاء عمر الدنيا كما قال : «لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ ، وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ» وقال : «يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ