(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) أي إن فى ذلك التنبيه والتذكير لدلائل على وحدانية الله وقدرته لكل صبار فى المحنة والبلية ، شكور فى المنحة والعطية.
قال قتادة : نعم العبد عبد إذا ابتلى صبر ، وإذا أعطى شكر ، وفى الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إن أمر المؤمن كله عجب ، لا يقضى الله له قضاء إلا كان خيرا ، إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له».
وفى هذا إيماء إلى أن الإنسان فى هذه الحياة يجب أن يكون بين صبر وشكر أبدا ، لأنه إما فى مكروه يصبر عليه وإما فى محبوب يشكر عليه ، والوقت فى هذه الحياة ذهب ، فمتى ضاع من حياتنا زمن دون عمل نسدى فيه خدمة لأنفسنا ولديننا ووطننا فقد كفرنا النعمة ، وأضعنا الفرصة ، ولم نعتبر بما حل بمن قبلنا من الأمم الغابرة ، فليحذر كل امرئ أن يضيع حياته بلا عمل ، وليخف على وقت يضيع ، ثم بعده عذاب سريع.
ولما سمع موسى أمر ربه امتثله وأخذ يذّكر قومه بأيام الله كما حكى الله عنه فقال :
(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) أي واذكر لقومك حين قول موسى لقومه : يا قوم تذكروا إنعام الله عليكم إذ أنجاكم من فرعون وآله ، حين كانوا يذيقونكم العذاب ويكلفونكم من الأعمال ما لا يطاق مع القهر والإذلال ، ويذبحون أبناءكم ويبقون نساءكم على قيد الحياة ذليلات مستضعفات ، وهذا رز من أشد الأرزاء ، وأعظم ألوان البلاء ، قال شاعرهم :
ومن أعظم الرزء فيما أرى |
|
بقاء البنات وموت البنينا |
وفى ذلك التذكير عبرة لهم لو يعتبرون.
(وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) أي وفيما ذكر ابتلاء واختبار عظيم من ربكم