(قُلْ تَمَتَّعُوا) أي تمتعوا بما أنتم فيه سادرون مما سيؤدى بكم إلى مهاوى الهلاك ، من الكفران وعبادة الأوثان والأصنام والسعى فى إضلال الناس والصد عن سبيله.
ثم بين جزاءهم المحتوم فقال :
(فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ) أي إن مرجعكم وموئلكم إليها كما قال : «نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ» وسمى الله تعالى ذلك تمتعا ، لأنهم تلذذوا به ، وأحسوا بغبطة وسرور كما يتلذذون بالمشتهيات من النعم ، وهذا الأسلوب التهكمى يستعمل فى التخاطب كثيرا فترى الطبيب يأمر مريضه بالاحتماء من بعض ما يضره ويؤذيه ، ثم لا يرى منه إلا تماديا فى الإعراض عن أوامره ، واتباعا لشهواته فيقول له :
كل ما تريد ، فإن مصيرك إلى الموت ، وما مراده من ذلك إلا التهديد ليرتدع ويقبل ما يقول. وكما يقال لمن سعى فى مخالفة السلطان : اصنع ما شئت ، فإن مصيرك إلى السيف.
وبعد أن هدد الكفار على انغماسهم فى اللذات ، أمر نبيه صلى الله عليه وسلّم أن يأمر خلّص عباده بإقامة العبادات البدنية ، وأداء الفرائض المالية فقال :
(قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ) أي قل لهم :
أقيموا الصلاة على وجهها ، وأدوها كما طلب ربكم ، فهى عماد الدين ، وهى التي تنهى عن الفحشاء والمنكر ، وهى المصباح للمؤمن يستضىء به للقرب من ربه ، وأدوا الزكاة شكرا له على نعمه الجزيلة ، رأفة بعباده الفقراء سدا لخلتهم وإيجادا للتضامن والتعاون بين الإخوة فى الدين : «إنّما المؤمنون إخوة».
(سِرًّا وَعَلانِيَةً) أي أنفقوا ذلك فى السر والعلن ، ولكل منهما حال تستحب فيها وقد تقدم القول فى تفصيل ذلك.
(مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ) أي من قبل أن يأتى اليوم الذي لا تنفع فيه فدية ، ولا تجدى فيه صداقة ، فلا يشفع خليل ولا يصفح ، عن عقابه لمخالّته لصديقه ، بل هناك العدل والقسط كما قال : «فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ