لما فيه من نقمة التعذيب والإذلال وقتل الأولاد واستحياء البنات ، ثم نعمة الإنجاء من كل ذلك العسف والقهر ، فالابتلاء كما يكون بالنقمة يكون بالنعمة كما قال «وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» وقال : «وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً».
(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ) أي واذكروا يا بنى إسرائيل حين آذنكم ربكم وأعلمكم بوعده فقال :
(لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) أي لئن شكرتم ما خوّلتكم من نعمة الإنجاء وغيرها بطاعتي فيما آمركم به وأنهاكم عنه لأزيدنكم من نعمى عليكم ، وقد دلت التجارب أن العضو الذي يناط به عمل كلما مرن عليه ازداد قوة ، وإذا عطل عن العمل ضمر وضعف ، وهكذا النعم إن استعملت فيما خلقت له بقيت ، وإن أهملت ذهبت.
أخرج البخاري فى تاريخه والضياء فى المختارة عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «من ألهم خمسة لم يحرم خمسة ـ وفيها من ألهم الشكر لم يحرم الزيادة».
والخلاصة ـ إن من شكر الله على ما رزقه وسّع عليه فى رزقه ، ومن شكره على ما أقدره عليه من طاعته زاد فى طاعته ، ومن شكره على ما أنعم عليه من صحة زاده الله صحة ، إلى نحو أولئك من النعم.
(وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ) النعم وجحدتموها فلم تقوموا بواجب حقها عليكم من شكر المنعم بها.
(إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ) بحرمانكم منها ، وسلبكم ثمراتها ، فى الدنيا والآخرة ، فتعذبون فى الدنيا بزوالها ، وفى الآخرة بعذاب لا قبل لكم به ، وفى الحديث : «إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصبه».
ثم بين سبحانه أن منافع الشكران ومضار الكفران لا تعود إلا إلى الشاكر أو الكافر بتلك النعم ، أما المعبود المشكور فهو متعال عن أن ينتفع بالشكر أو يضره الكفر ، فلا جرم قال :