لباس الحسيات ، ليكون أوقع فى النفس وأتم لدى العقل ، والأمثال لدى العرب هى المهيع المسلوك ، والطريق المتبع ، لإيضاح المعاني إذا أريد تثبيتها لدى السامعين ، والقرآن الكريم ملىء بها ، والسنة النبوية جرت على منهاجه ، فكثيرا ما تتبع المسائل الهامة بضرب الأمثال لها ، لتستقر فى النفوس ، وتنقش فى الصدور.
الإيضاح
(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً) أي ألم تعلم أيها الإنسان علم اليقين ، كيف ضرب الله مثلا ووضعه الموضع اللائق به.
(كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ. تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها) أي إن الله جلت قدرته شبه الكلمة الطيبة وهى الإيمان الثابت فى قلب المؤمن الذي يرفع به عمله إلى السماء كما قال : «إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ» وتنال بركته وثوابه فى كل وقت ، فالمؤمن كلما قال لا إله إلا الله صعدت إلى السماء وجاءت بركتها وخيرها ـ بالشجرة الطيبة المثمرة الجميلة المنظر الشذّية الرائحة التي لها أصل راسخ فى الأرض به يؤمن قلعها وزوالها ، وفروعها متصاعدة فى الهواء (فيكون ذلك دليلا على ثبات الأصل ورسوخ العروق ، وعلى بعدها عن عفونات الأرض وقاذورات الأبنية) فتأتى الثمرة نقية خالية من جميع الشوائب ، وتثمر فى كل حين بأمر ربها وإذنه ، وإذا اجتمع لهذه الشجرة كل هذه المميزات كثر رغبة الناس فيها.
وخلاصة ذلك ـ إنه تعالى شبه كلمة الإيمان بشجرة ثبتت عروقها فى الأرض ، وعلت أغصانها إلى السماء ، وهى ذات ثمر فى كل حين ، ذاك أن الهداية إذا حلت قلبا فاضت منه على غيره ، وملأت قلوبا كثيرة ، فكأنها شجرة أثمرت كل حين ، لأن ثمراتها دائمة لا مقطوعة ولا ممنوعة ، وكل قلب يتلّقى عما يشاكله ، ويأخذ منه بسرعة أشد من سرعة إيقاد النار فى الهشيم ، أو سريان الكهرباء فى المعادن ، أو الضوء فى الأثير.