لكم من أمره رشدا ، وأن يمهد لكم وسائل النجاة والسعادة ، ويدفع عنكم نزعات الشيطان ووساوسه ، لتظفروا بالحسنى فى الدارين.
والخلاصة ـ أن فى القرآن وحده غنى عن كل آية ، فلو أراد الله هدايتكم لصرف اختياركم إلى تحصيل أسبابها وكان لكم فيه مرشدا أيّما مرشد ، ولكن الله جعلكم سادرين فى الضلالة لا تلوون على شىء ، ولا ينفعكم إرشاد ولا نصح ، لسوء استعدادكم ، وكثرة لجاجكم وعنادكم ، ومن كانت هذه حاله فأنى له أن يهتدى ولو جاءته كل آية؟ كما قال : «وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ» وقال : «إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ» وقال : «وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ».
أما من أقبلوا إلى الله وتأملوا فى دلائله الواضحة ، وسلكوا طرقه المعبدة ، فالله ينير بصائرهم ويشرح صدورهم ، وهم لا بد واصلون إلى الفوز بالحسنى ، وحاصلون على السعادة فى الدنيا والآخرة ، وهم من أشار إليهم بقوله :
(الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ) أي هم الذين آمنوا وركنت قلوبهم إلى جانب الله وسكنت حين ذكره ، وإذا عرض لهم الشك فى وجوده ظهرت لهم دلائل وحدانيته فى الآيات ، وعجائب الكائنات ، فرضى به مولى ورضى به نصيرا ، ومن ثم قال :
(أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) أي ألا بذكر الله وحده تطمئن قلوب المؤمنين ، ويزول القلق والاضطراب من خشيته ، بما يفيضه عليها من نور الإيمان الذي يذهب الهلع والوحشة ، وهى بمعنى قوله فى الآية الأخرى : «ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ».