وفى ذلك وعيد وتهديد للمشركين من قريش على كفرهم وجراءتهم على نبيه ، وتثبيت وأمر له بالصبر على ما يلقى من المكروه كما صبر من كان قبله من الرسل ، وبيان لأن عاقبة من كفر به الهلاك وعاقبته النصر عليهم كما قال : «سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ» وقال : «وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ ، وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ» وقال : «كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي».
ثم ذكر السبب فى نصرهم عليهم فقال :
(ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ) أي هكذا أفعل بمن خاف مقامه بين يدىّ يوم القيامة ، وخاف وعيدي فاتقانى بطاعتي وتجنب سخطى ـ أنصره على من أراد به سوءا وبغى به مكروها من أعدائى ، وأورثه أرضه ودياره.
ثم بين أن كلا من الفريقين الأمم والرسل طلبوا المعونة والتأييد من ربهم وإلى ذلك أشار بقوله :
(وَاسْتَفْتَحُوا) أي واستفتحت الرسل على أممها أي استنصرت الله عليها ، واستفتحت الأمم على أنفسها كما قالوا : «اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ».
ثم ذكر مآل المشركين وبيّن أن النصر للمتقين فقال :
(وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) أي وهلك كل متكبر مجانب للحق منحرف عنه.
(مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ) أي ومن وراء الجبار العنيد جهنم أي هى له بالمرصاد تنتظره ، ليسكنها مخلدا فيها أبدا ، ويعرض عليها فى الدنيا غدوّا وعشيا إلى يوم التناد.
ثم بين شرابه فيها فقال :
(وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ) أي ليس له فى النار شراب إلا ماء يخرج من جوفه وقد خالطه القيح والدم ، وخص بالذكر لأنه آلم أنواع العذاب.