وروى الإمام أحمد عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «عجب ربنا من رجلين : رجل ثار من وطائه ولحافه من بين حبّه وأهله إلى ضلاته رغبة فيما عندى ، وشفقة مما عندى ؛ ورجل غزا فى سبيل الله تعالى فانهزم ، فعلم ما عليه من الفرار ، وما له فى الرجوع ، فرجع حتى أهريق دمه رغبة فيما عندى ، وشفقة مما عندى ، فيقول الله عز وجل للملائكة : انظروا إلى عبدى رجع رغبة فيما عندى ، ورهبة مما عندى حتى أهريق دمه».
وأخرج ابن جرير والحاكم وابن مردويه عن معاذ بن جبل قال : «كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فى سفر ، فأصبحت يوما قريبا منه ، ونحن نسير ؛ فقلت : يا نبى الله أخبرنى عما يدخلنى الجنة ، ويباعدنى عن النار. قال : لقد سألت عن عظيم وإنه يسير على من يسّره الله تعالى عليه ـ تعبد الله ولا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة ، وتؤتى الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت ؛ ثم قال : ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنّة ، والصدقة تطفئ الخطيئة ، وصلاة الرجل فى جوف الليل ، ثم قرأ : تتجافى جنوبهم عن المضاجع ـ حتى بلغ ـ جزاء بما كانوا يعملون ، ثم قال : ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ فقلت : بلى يا رسول الله ، فقال : رأس الأمر الإسلام ، وعموده الصلاة ، وذروة سنامه الجهاد فى سبيل الله ، ثم قال : ألا أخبرك مملاك ذلك كله؟ فقلت : بلى يا نبى الله ، فأخذ بلسانه ، ثم قال : كفّ عليك هذا ، فقلت : يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال : ثكلتك أمك يا معاذ ، وهل يكبّ الناس فى النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم».
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أنه قال فى الآية : «(تَتَجافى جُنُوبُهُمْ) لذكر الله ، كلما استيقظوا ذكروا الله عز وجل ، إما فى الصلاة ، وإما فى قيام أو قعود ، أو على جنوبهم ، لا يزالون يذكرون الله تعالى».
وقال الحسن ومجاهد ومالك والأوزاعى وغيرهم إن المراد بالتجافي القيام لصلاة النوافل بالليل.