المعنى الجملي
لما بين الأمر للمشركين وذكر لهم سوء مغبة أعمالهم ـ خاطب المؤمنين بما فيه مدّكر لهم ، وإرشاد للمشرك لو تأمله وفكر فيه ، ومثل هذا مثل الوالد له ولدان : أحدهما رشيد والآخر مفسد ، فهو ينصح المفسد أوّلا ، فإن لم يسمع يعرض عنه ، ويلفت إلى الرشيد قائلا : إن هذا لا يستحق أن يخاطب ، فاسمع أنت ولا تكن كهذا المفسد ، فيكون فى هذا نصيحة للمصلح ، وزجر للمفسد ، ودعوة له إلى سبيل الرشاد.
الإيضاح
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) أي ولئن سألت هؤلاء المشركين بالله : من خلق السموات والأرض فسواهن ، وسخر الشمس والقمر يجريان دائبين لمصالح خلقه؟ ليقولنّ : الذي خلق ذلك وفعله هو الله.
(فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ؟) أي فيكف يصرفون عن توحيده ، وإخلاص العبادة له ، بعد إقرارهم بأنه خالق كل ذلك.
والخلاصة ـ إنهم يعترفون بأنه هو الخالق للسموات والأرض ، والمسخر للشمس والقمر ، ثم هم مع ذلك يعبدون سواه ، ويتوكلون على غيره ، فكما أنه الواحد فى ملكه ، فليكن الواحد فى عبادته ، وكثيرا ما يقرر القرآن توحيد الألوهية بعد الاعتراف بتوحيد الربوبية التي كانوا يدينون بها بنحو قولهم : لبّيك لا شريك لك ، إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك.
ولما ذكر اعترافهم بالخلق ذكر حال الرزق ، من قبل أن كمال الخلق ببقائه ، ولا بقاء له إلا بالرزق فقال :
(اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ) أي إن الله يوسع رزقه على من يشاء من خلقه ، ويقتّر على من يشاء ، فالأرزاق وقسمتها بيده تعالى لا بيد أحد سواه ،