العقل ، ويرشد إليه صحيح النظر ، كما ورد فى الحديث الذي رواه البخاري ومسلم : «كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهوّدانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة جمعاء» (مستوية لم يذهب من بدنها شىء) «هل تحسون فيها من جدعاء» (مقطوعة الأذن أو الأنف).
ثم علل وجوب الامتثال بقوله :
(لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) أي لا ينبغى أن تبدّل فطرة الله أو تغير ، وهذا خبر فى معنى النهى كأنه قيل : لا تبدّلوا دين الله بالشرك.
بيان هذا أن العقل الإنسانى كصحيفة بيضاء ، قابلة لنقش ما يراد أن يكتب فيها ، كالأرض تقبل كل ما يغرس فيها ، فهى تنبت حنظلا وفاكهة ، ودواء وسمّا ، والنفس يرد عليها الديانات والمعارف فتقبلها ، والخير أغلب عليها من الشر ، كما أن أغلب نبات الأرض يصلح للرعى ، والقليل منه سمّ لا ينتفع به ، ولا تغير بالآراء الفاسدة إلا بمعلم يعلمها ذلك كالأبوين اليهوديين أو النصرانيين ، ولو ترك الطفل وشأنه لعرف أن الإله واحد ولم يسقه عقله إلى غير ذلك ، فإن البهيمة لا تجدع إلا بمن يجدعها من الخارج ، هكذا صحيفة العقل لا تغيّر إلا بمؤثّر خارجى يضلّها بعد علم.
(ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) أي ذلك الذي أمرتكم به من التوحيد هو الدين الحق الذي لا عوج فيه ولا انحراف.
(وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ذلك لعدم تدبرهم فى البراهين الواضحة الدالة عليه ، ولو علموا ذلك حق العلم لا تبعوه ، وما صدوا الناس عن الاقتباس من نوره ، وما سدلوا الحجب التي تحجب عنهم ضياءه.
(مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ) أي فأقم وجهك أيها الرسول أنت ومن اتبعك ، حنفاء لله منيبين إليه ، وخافوه ، وراقبوا أن تفرطوا فى طاعته ، وترتكبوا معصيته.
(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) أي وداوموا على إقامتها ، فهى عمود الدين ، وهى التي تذكّر المؤمن ربه ، وتجعله يناجيه فى اليوم خمس مرات ، وتحول بينه وبين الفحشاء