وصدق الله ورسوله فى النصرة والثواب ، كما صدق الله ورسوله فى البلاء والاختبار ، ومازادهم ذلك إلا صبرا على البلاء ، وتسليما للقضاء ، وتصديقا بتحقيق ما كان الله ورسوله قد وعدهم.
ثم وصف سبحانه بعض الكملة من المؤمنين الذين صدقوا عند اللقاء ، واحتملوا البأساء والضراء ، فقال :
(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) أي ومن المؤمنين بالله ، المصدقين برسوله ، رجال أوفوا بما عاهدوا الله عليه من الصبر فى اللأواء وحين البأساء ، فاستشهد بعض يوم بدر ، وبعض يوم أحد ، وبعض فى غير هذه المواطن ، ومنهم من ينتظر قضاءه والفراغ منه كما قضى من مضى منهم على الوفاء لله بعهده ، وما غيّروه وما بدلوه.
أخرج الإمام أحمد ومسلم والترمذي والنسائي فى جماعة آخرين عن أنس قال : «غاب عمى أنس بن النضر عن بدر ، فشق عليه ، وقال : أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه ، لئن أرانى الله تعالى مشهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بعد ليرينّ الله تعالى ما أصنع ، فشهد يوم أحد ، فاستقبله سعد بن معاذ رضى الله عنه ، فقال : يا أبا عمرو إلى أين؟ قال : واها لريح الجنة أجدها دون أحد ، فقاتل حتى قتل ، فوجد فى جسده بضع وثمانون من ضربة وطعنة ورمية ، ونزلت هذه الآية : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) إلخ.
وروى صاحب الكشاف أن رجالا من الصحابة نذروا أنهم إذا لقوا حربا مع رسول الله ثبتوا وقاتلوا حتى يستشهدوا ، وهم عثمان بن عفان ، وطلحة بن عبيد الله ، وسعيد بن زيد ، وحمزة ومصعب بن عمير ، وجمع غيرهم.
ثم بيّن العلة فى هذا الابتلاء والتمحيص ، فقال :
(لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ)