ثم ذكر أنه مع كل هذه الأدلة الظاهرة قد مارى بعض الناس دون برهان من عقل ولا مستند من نقل ، فقال :
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ) أي وهناك فريق من الناس يجادل فى توحيد الله وصفاته كالنضر بن الحارث وأبىّ بن خلف اللذين كانا يجادلان النبي صلى الله عليه وسلم فى ذلك بلا علم من عقل ، ولا مستند من حجة صحيحة ، ولا كتاب مأثور يؤيد صحة ما يدّعون.
ثم بين أنه لا مطمع فى إيمان مثل هؤلاء ، لأنهم قد بلغوا الغاية فى الغباوة ، واستسلموا للتقليد ، وتركوا الدليل وإن كان لائحا ظاهرا ، فقال :
(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) أي وإذا قيل لهؤلاء المجادلين الجاحدين لوحدانية الله : اتبعوا ما أنزل الله على رسوله من الشرائع ـ لم يجدوا ردا لذلك إلا قولهم : إنا نتبع ما وجدنا عليه آباءنا من دين ، فإنهم كانوا أهل حق ودين صحيح.
فوبخهم سبحانه على تلك المقالة التي هى من حبائل الشيطان ووساوسه فقال :
(أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ؟) أي أيتبعونهم على كل حال دون نظر إلى دليل؟ فربما كان اعتقادهم مبنيا على الهوى وترّهات الأباطيل ، سداه ولحمته ما زينه لهم الشيطان من وساوس ، لا تستند إلى حجة ولا برهان.
والخلاصة ـ أما كان لهم أن يفكروا ويتدبروا حتى يعلموا الحق من الباطل ، والصواب من الخطأ ، فإن الرجال بالحق وليس الحق بالرجال؟
وفى هذا ما لا يخفى من تسفيه عقولهم وتسخيف آرائهم ، وأنهم بلغوا الدّرك الأسفل فى هدم العقل ، وعدم الركون إلى الدليل مهما استبانت غايته ، واستقامت محجته.