السابقة ، ولم يرجعوا إلى المدينة ، وكان القتال قتال جلاد وكرّ وفرّ ، وطعن وضرب ، ومحاربة بالسيوف ، ومبارزة فى الصفوف ـ ما قاتلوا إلا قتالا يسيرا رياء وخوفا من العار ، لا قتالا يحتسبون فيه الثواب من الله وحسن الأجر.
وبعد أن فصّل أحوالهم ، وشرح نذالتهم ، وعظيم جبنهم ـ عاتبهم أشد العتب ، وأبان لهم أنه قد كان لهم برسول الله معتبر لو اعتبروا ، وأسوة حسنة لو أرادوا التأسى ، فقال :
(لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً) أي إن المثل العالية ، والقدوة الحسنة ماثلة أمامكم لو شئتم ، فتحتذون الرسول فى أعماله ، وتسيرون على نهجه لو كنتم تبتغون ثواب الله ، وتخافون عقابه إذا أزفت الآزفة ، وعدم النصير والمعين ، إلا العمل الصالح ، وكنتم تذكرون الله ذكرا كثيرا ، فإن ذكره يؤدى إلى طاعته ، ويحقق الائتساء برسوله.
وخلاصة ذلك : هلا اقتديتم بالرسول ، وتأسيتم بشمائله؟.
ولما ذكر سبحانه حال المنافقين ـ ذكر حال المؤمنين حين لقاء الأحزاب ، فقال :
(وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً) أي ولما أبصر المؤمنون الصادقون المخلصون لله فى القول والعمل ـ الأحزاب الذين أدهشت رؤيتهم العقول ، وتبلبلت لها الأفكار ، واضطربت الأفئدة ـ قالوا : هذا ما وعدنا الله ورسوله من الابتلاء والاختبار الذي يعقبه النصر فى نحو قوله : «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ؟ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ» وقوله : «أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ» وقول الرسول صلى الله عليه وسلم : «سيشتد الأمر باجتماع الأحزاب عليكم ، والعاقبة لكم عليهم» وقوله : «إنهم سائرون إليكم تسعا أو عشرا» أي فى آخر تسع ليال أو عشر من حين الإخبار.