روى البخاري عن ابن مسعود قال : لما نزل قوله تعالى : «الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ» شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا : أيّنا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه ليس بذلك. ألا تسمعون لقول لقمان : «يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ».
وبعد أن ذكر سبحانه ما أوصى به لقمان ابنه من شكر المنعم الأول الذي لم يشركه فى إيجاده أحد ، وذكر ما فى الشرك من الشناعة أتبعه بوصيته الولد بالوالدين لكونهما السبب فى وجوده ، فقال :
(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ) أي وأمرناه ببرهما وطاعتهما ، والقيام بحقوقهما ، وكثيرا ما يقرن القرآن بين طاعة الله وبر الوالدين كقوله : «وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً».
ثم ذكر منّة الوالدة خاصة لما فيها من كبير المشقة ، فقال :
(حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ) أي حملته وهى فى ضعف يتزايد بازدياد ثقل الحمل إلى حين الطلق ، ثم مدة النفاس.
ثم أردفها ذكر منه أخرى ، وهى الشفقة عليه وحسن كفالته حين لا يملك لنفسه شيئا ، فقال :
(وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ) أي وفطامه من الرضاع بعد وضعه فى عامين تقاسى فيهما الأم فى رضاعه وشئونه فى تلك الحقبة جمّ المصاعب والآلام التي لا يقدر قدرها إلا العليم بها ، ومن لا تخفى عليه خافية فى الأرض ولا فى السماء.
وقد وصى بالوالدين لكنه ذكر السبب فى جانب الأم فحسب ، لأن المشقة التي تلحقها أعظم ، فقد حملته فى بطنها ثقيلا ، ثم وضعته وربته ليلا ونهارا ، ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم لمن سأله من أبرّ؟ : أمك ، ثم أمك ، ثم أمك ، ثم قال بعد ذلك : ثم أباك.