ولما استنارت الحجة ، وظهر الدليل ، ولم يكن لهم فيه مقنع ، بين أنهم قوم ظلمة مفترون ، وضعوا الأمور فى غير مواضعها بكذبهم على الله ، فقال :
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ) أي ومن أظلم ممن كذبوا على الله ، بأن زعموا أن له شريكا ، وأنهم إذا فعلوا فاحشة قالوا : إن الله أمرنا بها ، والله لا يأمر بالفحشاء ، وكذبوا بالكتاب حين مجيئه ، دون أن يتأملوا فيه أو يتوقفوا ، بل سارعوا إلى التكذيب أول ما سمعوه.
وفى هذا من تسفيه آرائهم ، وتقبيح طرائقهم ما لا يخفى.
ثم بين سوء مغبة أعمالهم بطريق الاستفهام التقريرى ، وهو أبلغ فى إثبات المطلوب ، فقال :
(أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ؟) أي ألا يستوجب هؤلاء الكافرون من أهل مكة الثّواء فى جهنم ، فقد افتروا على الله الكذب ، فكذبوا بالكتاب لما جاءهم بلا تريّث ولا تلبث؟.
والخلاصة : إن مثوى هؤلاء وأشباههم جهنم وبئس المصير.
وبعد أن بين عاقبة أولئك الكافرين ذكر عاقبة المؤمنين الذين اهتدوا يهدى الله وجاهدوا فى سبيله ، فقال :
(وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) أي والذين قاتلوا هؤلاء المفترين على الله الكذب ، المكذبين لما جاءهم به رسوله ، مبتغين بقتالهم علوّ كلمتنا ، ونصرة ديننا ، لنزيدنهم هداية إلى سبل الخير ، وتوفيقا لسلوكها كما قال : «وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ» وجاء فى الحديث : «من عمل بما علم ورّثه الله علم ما لم يعلم» ، وقال عمر بن عبد العزيز : إنما قصّر بنا عن علم ما جهلنا تقصيرنا فى العمل بما علمنا ، ولو عملنا ببعض ما علمنا لاورثنا علما لا تقوم به أبداننا. وقال أبو سليمان الداراني : ليس الجهاد فى الآية قتال الكفار فقط ، بل هو نصر الدين ، والرد على المبطلين ، وقمع