الإيضاح
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ؟) أي أو لم ير هؤلاء المشركون من قريش ما خصصناهم به من النعمة دون سائر عبادنا ، فأسكناهم بلدا حرّمنا على الناس أن يدخلوه لغارة أو حرب ، وآمنا من سكنه من القتل والسبي والناس من حولهم يقتلون ويسبون فى كل حين ، فيشكرونا على ذلك ، ويزدجروا عن كفرهم بنا وإشراكهم ما لا ينفعهم ولا يضرهم.
والخلاصة : إنه تعالى يمتنّ على قريش بما أحلهم من حرمه الذي جعله للناس سواء العاكف فيه والباد ، ومن دخله كان آمنا ، فهم فى أمن عظيم ، والأعراب حولهم نهب مقسّم ، يقتل بعضهم بغضا ، ويسبى بعضهم بعضا ، ثم هم مع ذلك يكفرون به ، ويعبدون معه سواه.
ونحو الآية قوله : «لِإِيلافِ قُرَيْشٍ. إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ. الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ. وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ».
ثم بين أن العقل كان يقضى بشكرهم على هذه النعمة ، لكنهم كفروا بها ، وما جنحوا إلى مرضاة ربهم ، فقال :
(أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ؟) أي أفكان شكرهم على هذه النعمة العظيمة أن أشركوا به ، وعبدوا معه غيره من الأصنام والأنداد ، وبدلوا نعمة الله كفرا ، وأحلوا قومهم دار البوار ، فكفروا بنبي الله وعبده ورسوله.
والخلاصة : إنه كان من حق شكرهم له على هذه النعم إخلاص العبادة له ، وألا يشركوا به ، وأن يصدّقوا برسوله ، ويعظموه ويوقروه ، لكنهم كذبوه فقاتلوه وأخرجوه من بين أظهرهم ، ومن ثم سلبهم الله ما كان أنعم به عليهم ، بقتل من قتل منهم ببدر ، وأسر من أسر ، حتى قطع دابرهم يوم الفتح ، وأرغم آنافهم وأذل رقابهم.