(يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ) تدبير الأمر : النظر فى دابره وعاقبته ليجىء محمود المغبّة ، وتدبير الأمر من السماء إلى الأرض ، ثم عروجه إليه ، تمثيل لإظهار عظمته ، كما يصدر الملك أوامره ، ثم يتلقى من أعوانه ما يدل على تنفيذها.
(فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) أي يدبر أمر الدنيا إلى أن تقوم الساعة ، ثم يصير الأمر كله إليه ، ليحكم فيه فى يوم مقداره ألف سنة مما كنا نعده فى هذه الحياة.
والمراد بالألف الزمن المتطاول ، وليس المقصد منه حقيقة العدد ، إذ هو عند العرب منتهى المراتب العددية ، وأقصى غاياتها ، وليس هناك مرتبة فوقه إلا ما يتفرع منه من عداد مراتبها.
قال القرطبي : المعنى إن الله تعالى جعله فى صعوبته على الكفار كخمسين ألف سنة قاله ابن عباس ، والعرب تصف أيام المكروه بالطول ، وأيام السرور بالقصر ، قال شاعرهم :
ويوم كظلّ الرمح قصّر طوله |
|
دم الزقّ عنا واصطفاق المزاهر ا ه |
(ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ. الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) أي لك المدبر لهذه الأمور ، هو العالم بما يغيب عن أبصاركم ، مما تكنّه الصدور وتخفيه نفوس ، وما لم يكن بعد مما هو كائن ، وبما شاهدته الأبصار وعاينته ، وهو الشديد انتقامه ممن كفر به ، وأشرك معه غيره ، وكذب رسله ، وهو الرحيم بمن تاب من ضلالته ، ورجع إلى الإيمان به وبرسوله ، وعمل صالحا ، وهو الذي أحسن خلق الأشياء وأحكمها.
ولما ذكر خلق السموات والأرض شرع يذكر خلق الإنسان ، فقال :
(وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ) أي وبدأ خلق آدم أبى البشر من الطين ، وقد يكون